كريم السليتي (*) ظاهرة قديمة جديدة تظهر من حين لآخر على صفحات الفايسبوك و في بعض وسائل الإعلام وهي تعظيم لشخصية بل لذات الرئيس الراحل الحبيب بورڤيبة تصل حد التقديس، و التعامل مع فكره و خطاباته و كأنه وحي منزل. يأتي هذا في غياب تام لذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أي مسألة من المسائل التي يطرحونها والذين يستشهدون فيها ببورقيبة وأقواله و أفعاله و"سيرته" و لا يستشهدون أبدا بأحاديث سيد الخلق. بل إن بعض الصفحات و الجرائد والإذاعات والقنوات التونسية لم نرها تضع آية أو حديثا قط، وكل ما تستشهد به هو بورڤيبة و بعض مفكري الغرب. فهل يقدسون بورڤيبة و يعظمونه أكثر من الرسول الكريم؟ يأتي هذا اللغط وسط كشف حيثيات جريمة إغتيال المناضل الوطني صالح بن يوسف و التي ثبت فيها تورط الزعيم الراحل. وعوض أن يقبل بعض العلمانيين و الدساترة حقيقة أن زعيمهم المفدى لا يختلف كثيرا عن قادة الأمة العربية من القتلة و مصاصي الدماء بعد ثبوت ادانته بالجرم المشهود، فإنهم دخلوا في حلقة تبرير جرائمه وهو ما يكشف مدى تعصبهم و تطرفهم لمرجعيتهم البورڤيبية. بل إن بعض هؤلاء المتشددين صاروا يسجودون لصورته ويهاجمون كل من ينتقده بأقذع النعوت وهذا طبعا ليس غريبا عليهم فهم أول ضحايا الفكر البورڤيبي. و عندي سؤالين لهم: ماذا حقق بوڤيبة لتونس حتى تتعصبوا لشخصه إلى هذه الدرجة؟ ومن هو أولى بالحب و بالنصرة هل هو الرسول الأكرم أم الديكتاتور السابق؟. أعلم أني لو فتحت باب النقد لبورقيبة فلن أغلقه ولن أوفيه حقه في سوء التصرف والإدارة و ضعف الصفات القيادية و غياب الأهداف التنموية الواضحة وتكريس الظلم والمحسوبية. و سأكتفي بتذكير من يرون فيه قائدا و رمزا لم ير التاريخ مثله، أن دولا استقلت بعدنا مثل ماليزيا وسنغافورا وكوريا الجنوبية، تطورت وتأخرنا لأنهم لم يكن لديهم قائد فذ مثل بورقيبة وكان لنا. زعماؤهم لم يزرعوا الجهويات و التعيين بالولاءات و لم يجهضوا الديمقراطية و الحق في الاختلاف، زعماؤهم لم يقتلوا العلماء و يهجروهم، زعماؤهم كانوا قادة حقيقين لا تلاميذ فلسفة مبتدئين في قشور الحداثة أو زعماء خطابة و مسرح و تفليم. بورقيبة أراد الحداثة لتونس و هذا صحيح، لكنها لم تكن حداثة العلم و التطور و العمران و الاقتصاد و بناء الدولة على أسس و قواعد احترام القانون والمؤسسات، أراد حداثة المظاهر و النسب المائوية البراقة مقارنة بإفريقيا السوداء (العمشة في دار العميان) . ظن أن الحداثة تكمن في نزع الحجاب و السفساري و افطار رمضان و محاصرة التدين وضرب الضوابط الأخلاقية و الاحتشام. في المقابل بورڤيبة لم يكن حداثيا في الديمقراطية بل أسس لحكم شمولي مبني على العنف و التعذيب و ترهيب المواطنين. لقد أسس لدولة تابعة لفرنسا يأخذ فيها رمز الاله الذي لا يقبل النقد وهذا ما ورثه عبيده منه. كما أسس للعقلية الجهوية والتعيين بالولاءات لا بالكفاءات في مفاصل الدولة. بورقيبة أراد لتونس أن تكون بدون هوية و بدون لغة، ربط حاضره و مستقبله بفرنسا فتأخرت فرنسا و تأخرت البلاد و ضاعت اللغة العربية ولم يحسن التونسيون اللغة الفرنسية و تأخروا في اللغة الانقليزية. فقط في الأخير أقول لهم – لتلاميذ بورقيبة- أي صحة وأي تعليم و أي بنية تحتية تركها بورقيبة مقارنة بالعالم بل أي عقلية مجتمعية تركها؟ إن ما يعانيه التونسيين من البيروقراطية الإدارية و تأخر جامعاتها و ضعف خدماتها الصحية و انعدام التنمية في المناطق الداخلية والانتهازية هو من صميم سوء إدارة و ضعف قيادة بورقيبة. كما أعتقد جازما أن ما اقترفه بورقيبة في حق تونس و التونسيين لم تستطع حتى فرنسا زمن الاستعمار أن تقترفه. لذلك أدعوا هذا الجيل الذي هو من ضحايا بورقيبة أن يفيق من سباته، و ينظر إلى العالم من حوله كيف تطور و تحضر وسبقنا بعشرات بل مئات السنين بدون بورقيبة وفكر بورقيبة و تحررية بورقيبة. لا تقبلوا بالقوالب التاريخية الجاهزة، راجعوا بنظرة نقدية الافكار التي غسلوا أدمغتكم بها حول الوهم الأكبر. لا تكونوا من المتعصبين والدواعش البورڤيبيين، وإقبلوا قيم الاختلاف. ونصيحتي في الأخير لكل من زهدهم بورقيبة في الآخرة وسجدوا لصورته، اتقوا الله في وطنكم و لا تكون تلاميذ بورقيبة بل كونوا تلاميذ محمد صلى الله عليه و سلم. * كاتب وباحث في الاجتماعيات