نورالدين الخميري بون / ألمانيا شغلني هذا الموضوع على مدى سنوات عديدة، وأنا أتابع تطورات الواقع المهجري من خلال عديد التصريحات والوعود التي لا تقدم حلولا جدية لمشاكل ومشاغل الجالية، بل تحاول في أغلبها أن تلامس واقعها بنوع من الديماغوجية والتوظيف السياسي عبر جملة من الوعود والتعهدات والتطمينات ، دون إنجاز فعلي على مستوى الواقع مما يعطي انطباعا سلبيا لدى عموم الجالية يتزايد يوما بعد يوم ومن جيل لآخر ، والحال أن كل النصوص الصادرة عن هذه المؤسسات تعبر بوضوح عن جملة من المهام المنوطة بعهدتها لتنفيذها. هذه السلبية المرهونة بحسابات السياسة وخيارات الأحزاب الحاكمة دفعتنا مؤخرا لتنظيم حوار مفتوح مع عدد من هذه الهياكل فكانت لنا فرصة خلال الأسبوع الفارط عبر لقاء جمعنا بعدد من ممثليها بمدينة بون الألمانية ، لنبرز هذا الدور، ونلفت نظر الدولة من خلال بحث ميداني تناول التعرض لإحدى عشر مؤسسة تتوزع بين البعثة الدبلوماسية، والملحق الإجتماعي ، والملحق الطلابي، وديوان التونسيين بالخارج، ومجلس التونسيين بالخارج ، ووزارة الهجرة، والمرصد الوطني للهجرة، إلى جانب وزارة الشؤون الإجتماعية ، ووزارة الخارجية مرورا بدور نائب المهجر، ومعلم اللغة العربية، والمجلس الوطني للتونسيين بالخارج الذي ينتظر بعثه قريبا، والخطوط الجوية التونسية ، والشركة التونسية للملاحة وما يرتبط بهما من حالة تشكي على مستوى الخدمات والأسعار، لنقف في الأخير عند المطبات الكبرى التي تحدث في أماكن العبور . ولئن كان العرض خلال اللقاء سريعا نتيجة ظروف ناتجة عن عوامل تنظيمية لم تراعي أهمية البحث ، فقد تمكنا ولو بشكل بسيط من إبراز بعض الإخلالات على مستوى التخطيط والتنفيذ، ولفت نظر ممثلي الهياكل إلى وجود أزمة حقيقية في علاقة بالبرامج والتواصل مع أبناء الجالية، وقدمنا لذلك بدائل عاجلة تنهي حالة التداخل في المهام والإختصاصات بين العديد من المؤسسات، وطالبنا بتقليص حجمها بما يمنحها فرصة أكبر لإنجاح دورها مع تأكيدنا على إعطائها صلاحيات أكبر تتناسب مع طبيعة مهامها. إن دورنا كباحثين يكمن في المعاينة وتقديم الحلول بما يتناسب واحتياجات الجالية وتطلعاتها من خلال رصد الواقع والإستماع لانشغالات المهاجرين، فلا يعقل أن يتعامل معلم اللغة العربية مع بيداغوجيا الطباشير وهو بعيد كل البعد عن فهم لغة البلد المضيف والتطورات الحاصلة فيه على مستوى العلم والمعرفة ، ولا يقبل بأي حال من الأحوال أن يظل دور البعثات الدبلوماسية مقتصرا على جوازات السفر، ومضامين الولادة ، وعقود الزواج دون الإنفتاح على الطاقات الشبابية والكفاءات العلمية ورجال الأعمال، ومن العبث أن تظل وزارة الهجرة في منأى عن واقع الهجرة واحتياجات التونسيين بالخارج ، وأن يظل نشاط ديوان التونسيين بالخارج مقتصرا على بعض الأنشطة المناسباتية دون ضبط وتنفيذ لجل البرامج المتعلقة بحماية الأسرة والأجيال الجديدة بما بنمي الحس الوطني ويدعم التعلق بالهوية العربية الإسلامية، وأن تواصل الخطوط الجوية التونسية والشركة التونسية للملاحة مواجهة المنافسة الحادة للشركات العملاقة دون رعاية من الدولة لتحسين جودة الخدمات وتفادي الإضطرابات الحاصلة على مستوى الرحلات وغلاء الأسعار. هذه الصورة الملبدة بغيوم الإرتجالية وحالة التهميش، والملوثة بخيارات حزبية ومصلحية مرتبطة بتقاسم الكعكة والنفوذ تجعلنا نحن أبناء الجالية بين خيارات المواجهة العلنية أو الدعوة الحكيمة لمراكز النفوذ في الدولة لإعادة فتح باب الحوار حول هذه الملفات الساخنة بما يضمن حسن فاعليتها ونجاعة أدائها، ذلك أن من لم يفهم طبيعة الحاضر ومقتضيات المصالح سيكون بدون شك خارج دائرة الفعل تحت جرافات العولمة وضياع الضمير. ندرك جميعا أن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء ، وأن عقارب الساعة إن توقفت فستضيع مصالح الناس بين عتمة الفوضى ولحن الأحزان، ولن تكون في نهاية المطاف سوى مجرد أشباح تختصر مأساة الوطن.