من البديهيّ في بلادنا، أنّ علاقة المواطن بالادارة عامّة ما تقتصر على المماطلة والتسويف من جهة ، وعلى التذمّر والشّكوى من جهة أخرى. إذ لا يخوض الشباب عادة في مثل هذه المسائل إلا للبوح برغبتهم في الهجرة أو ربما للنقد، بينما اليوم سأتحدث بحرقة عن ما أعايشه هذه الايام من وقائع مؤرّقة . لأعرف بنفسي أوّلا، ياسمين البركاوي ذات ال16سنة تامة و16.28 معدل سنوي وتلميذة سابقة بالمعهد النموذجي فرج الشاذلي بأريانة . في إطار التوجيه المدرسي المعتاد وككل تلميذة "مريدة" وحالمة، قمت باختيار سلك يتماشى مع طموحاتي الأكاديمية ويرتقي بتصوراتي ويستجيب لقناعاتي . للذكر ، أنا لا أتذمّر من العقلية المتردية للعموم ولا حتى من نظرتهم الدونية لشعبة الآداب، فهي ظواهر متأصلة في مجتمع لا يتمتع ببعد النّظر ولم يُلقّن فقه التعامل الواعي والعقلاني مع قراراته الحياتيّة ولا حتى التناول العميق للخيارات العلمية والاكاديميّة . اضطررت طبعا للانتقال من معهدي السابق الى المعهد النموذجي بورقيبة تونس نظرا "لتوفر "الشعبة هناك أو امكانية توفرها للأسف . لم تسُؤني النقلة المفروضة قدر ما ساءتني معاملة الإدارة والوزارة والمندوبية على حدّ سواء، ثلاث كلمات لا تغادرني هذه الايام وكأنها أشباح تُكسب سنتي الدراسية صفة الضبابيّة بامتياز . 12 من سبتمبر سنة 2019،قصدت المعهد كما أمرتني القيمة ،يوم وقفت في انتظار مدير المعهد خارج مكتبه قصد تسليم وثائق التسجيل. حتى أكون صادقة، تذمرت ذلك اليوم لكن سرعان ما خمدت نار غضبي لتضطرم نار أعتى حين ردّتني السيّدة ذاتها يوم العودة المدرسية بعلّة أنّ ملفات التلاميذ الّتي ستخول للادارة تشكيل قائمة تسمح بمباشرة قسم الثانية آداب لدروسه لم تصلهم من الوزارة إلى حدّ الساعة . عدت أدراجي بخيبة تماهت مع الامل في اتصال قريب. مرّ بالضبط أُسبوعان ولم أُباشر الدّروس، ومسألة اللائحة عالقة . لم أتشكّى في الايّام الاولى وكنت من الممهلين، أمنّي نفسي بعودة قريبة أحتضن فيها الحلم، لكن وأسفاه اليوم سأُدين هذا التقصير، ومن واجبي الحضاري والوطني أن يصدح صوتي موجها أصابع الرأي العام نحو هذا التهاون المخزي . ليتبين عندما قصدنا الوزارة للاستفسار عن ما آل إليه ملفي أنّه كان نسيا منسيا، مجرد اوراق فوق طاولة ما. أولست ابنة مواطنيْن عاديّيْن، من الطبقة الوسطى الّتي لا اعتبار يذكر لها ؟ انها حقا سذاجة طفلة لم تصطدم بواقعها الا عندما وقفت لمدة ساعتين أمام مكتب يلجه طفل احدى العاملين أو العاملات هناك للعب الغميضة (ربما يلعبها مع قدري لعله يجده عنّي) وتدخله من الموظفين من يشاء ربما دون طرق الباب حتى،فهو في الداخل مجتمع بزملاء له، مشهد سميته المواطن يتسول امام باب المسؤول،فكيف له أن يعبأ بياسمين وهي رقم ضمن الأرقام الّتي كان الصفر الذي يُضرب فيها فتفقد قيمتها . ماهو المقابل الذي أتلقّاه بعد التزامي بواجبي الاكاديمي من اجتهاد وانضباط و احترام للأطر المشرفة ؟ مقابلٌ شرعيٌّ ،يتمثّل في حقي في مقعد يحترم كرامتي وكرامة عائلتي لمدة أسبوعين في المعهد النموذجي بورقيبة تونس ! انها،بجدارة، صرخة حق . لا أطلب تعويض تلك الساعات التي وقفها والدي في الطوابير ينتظر "المسؤول فلان " (عندما تُفرغ الكلمات من معانيها) ولا حتى حذف تلك الكوابيس التي قوّضت مضجعي من ذاكرتي بل أطالب باصلاح شامل لهذه المنظومة العرجاء. وأردّد بثبات أنّ هذا النظام المستهتر والّذي ضقنا ذرعا بتقصيره الدائم ،لم ولن يؤثّر على مدى تفانيّ في خدمة الوطن وحبّه لكنّه سيُأثّر حتما على تلك الأقلام الّتي توثّق عار من أُنيطت بعهدتهم هاته المسؤوليات وستقذف بهم لا محالة في مزبلة الفشل . وأوجّه خطابي بهذه المناسبة لكل مظلوم ،يرى في الظالم صفات المسيطر والمهيمن ويؤمن بأنّه الحلقة الأضعف . دعني أذكّرك بأنّ القوي يكتسب قوته من رسوخ فكرة الضعف وتشرّب الطرف الآخر لها، أي أن الحاكم يستمدّ شرعيّته من المحكوم . فبساط السلطة يفرشه الشعب لمن يرى فيه الكفاءة لخدمته ويسحبه بسخط إذا ما اختال بسلطة تهتز وهي فوق فوهة بركان يترقب. فتذكّروا يا من تسلّطون علينا المظالم، الحق هو ما يُبقي على تماسك سلسلة الحكم . وتذكروا جيّدا لأنّ عليكم أن تنسوا أن ننسى ميزان الأمور الحقيقي !!!! صرخةقوةوحق لن تهفت أبدا.. بقلمي ومن روحي خُطّ.