بقلم / منجي باكير كان الإستخراب الفرنسي لبلادنا و ما جرّه لها من مأسي و قتل و نهب للمقدرات و تغريب و تغييب و تستغلال و إذلال ،،، ثم كان الإستقلال - المنقوص - حتى جاء الجلاء ، جلاء آخر جندي عن تراب الوطن ، جلاء أخبر التاريخ عنه كثيرا من الإجرام و الدموية و زهق الأرواح بوحشية ، منه ما سُجّل و أكثره أُهمِل للوحشية التي رافقته و للاجرام السياسي المحلّي الذي دفع إليه ... لكن الثابت أنّ فرانسا لم تذعن لاخلاء البلد من جنودها و عساكرها إلا بعد ان أعدت طبخاتها السياسية و ضمنت بمختلف الصيغ أن تونس ستبقى لها ملكية خاصة و مزرعة خلفية ، فوقّعت الوثائق و أملت الشروط و فرضت التبعات و وضعت يدها غصبا على ماطاب لها من الثروات ، وقُعت على ذلك و أكثر مع من - استأمنتهم - من الصبايحية على تركتها الاستعمارية و فوضتهم لحكمها و قيادتها على الشاكلة و النمط الذي تحدده هي و ترتضيه ، وقّعت ذلك على و ثائق و مراسيم و معاهدات لم ير أكثرها النور برغم مرور كمّ من العقود على التصريح بالإستقلال ،،، لا يعرف خاصة الشعب و لا عامته عن أهم تلك الوثائق الرسمية ، لكن ما يحدث على الواقع لا يحمل الشك و لا يقبل المراء ، واقع السياسة بداخليها و خارجيها ، واقع الإقتصاد و ارتهانه الحصريو الوحيد و ما اتصل بذلك في الثروات و المقدرات و الاستيراد و التصدير و التجارة ، واقع إغلاق النافذة المطلة على الشرق مقابل فتحها على الغرب بلا أدنى تحفظ ، واقع الحراك الثقافي و المشهد الإعلامي و خصوصا واقع التعليم في كل مراحله ،،،، يعرف الشعب أنّ ثرواته و خيرات بلاده في حكم السياسة التي تقنعه دوما بأن هذا البلد عقيم لا ينتج ، فقط هو يراهن على - الأدمغة - و العقول ، يعرف ان هذا ضحك على الذقون و مادة استهلاكية بدت تتعرى امام مدّ ادوات التواصل الإجتماعي التي تكشف تواترا ما يخفى و لكن يبقى ما خفي أعظم ، فبدأت تتكوّن الجمعيات و تقام الحراكات و الإحتجاجات طلبا للتوضيح و إيقاف النزيف ،،، لكن ما بقي - بلاء - مستفحلا هو التبعية المجحفة في قطاعات الثقافة و الإعلام و التعليم ، هذه القطاعات التي لم يصلها الجلاء بعد ... قطاعات بقيت تحكمها الوصاية الفرنكوفونية و تنفذها مجاميع الصبايحية او احفادهم في حرص على اجتثاث الوطن من حاضنته العربية الإسلامية في صيغ استئصالية تغريبية لإلحاقه - بقيم - فرانسا العَلمانية و تغذيتها بحداثة على مرجعية شذوذ الفكر و الجسد و التجرد من كل المفاهيم التراثية المحلية و نبذ و إقصاء الديانة و الهوية و الاصالة ... هذا الجلاء و لكن لن يكون له عيد حقيقي حتى تكتمل معالمه و يطابق لفظه معناه ،،، حتى تنجلي كل القيود و الإرتهانات الفرنسية الاستعمارية المادية و المعنوية لتكون للبلاد سيادة تقريرية مستقلة ، حتى يتوب صبايحية فرانسا في الاعلام و الثقافة و التعليم و غيرهم او يبعدوا عن مفاصل القرار فيهم ، حتى يتصرف الوطن تونسيا و يفكر تونسيا و يتحدث تونسيا و خصوصا يقرر تونسيا خالصا ..! ------------------------- الصبايحية كلمة "صبايحي" sipâhi أصلها تركي وتعني الجندي وانتقلت إلى اللغة الفرنسية Spahi. ويرجع تأسيس فيلق الصبايحية في تونس إلى بداية القرن السابع عشر (1614). قام حمودة باشا المرادي بتوزيع الصبايحية إلى 3 أوجاق: تونس والكاف وباجة. وفي وقت لاحق وقع إضافة وجق رابع. وتواصل وجود هذا النوع من الخيالة حتى القرن التاسع عشر. حيث تغيرت مهام هذا الفيلق وأصبحت وظيفتهم المعلنة هي الوساطة بين فرنسا والأهالي ولكن تطورت لتصبح ولاء للمستعمر الفرنسي وذلك بتجنيدهم الشباب من الجزائر والمغرب وتونس للانخراط في الجيش الفرنسي من أجل خدمة المستعمر الفرنسي ومحاربة أبناء وطنهم. وقد شارك صبايحية من الجزائر في الحملات العسكرية الأولى على تونس سنتي 1881 و1882 . ومن شروط الالتحاق بهذه الفرق أن يقسم المترشح على القرآن بولائه لفرنسا والدفاع عنها. وبعد خروج فرنسا من تونس أدمج بورقيبة الصبايحية في جهاز الحرس الوطني التونسي.