بقلم عمار عبيدي استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم السبت 16 نوفمبر 2019، بقصر قرطاج مجموعة من الشباب من جهة القصرين و استمع لشواغلهم و تصوراتهم للنهوض بالمنطقة و إيجاد الحلول الملائمة في إطار مقاربة وطنية. و شكل اللقاء فرصة للتطرق لعدد من القضايا خاصة تلك المتعلقة بخلق فرص التشغيل و مسألة الإرهاب و النهوض بالوضع الصحي في الجهة. وأكد رئيس الجمهورية أن الجميع يستطيع أن يتفق حول تشخيص المشاكل و الصعوبات و يبقى الأهم هو البحث عن الحلول الكفيلة لتجاوزها. ربما يكون الخبر عاديا عندما يتعلق الامر بولاية أخرى لكن بالنسبة لجهة القصرين بالذات فالخبر مركزي وحيوي إلى درجة قد لا يقدر أهميتها المتابعون العاديون للوضع التونسي؛ وهذا ليس من باب المبالغة ولا هو ضرب من الجهوية المفرطة. بل قد لا نذهب إلى أبعد من ذلك حين نقول إن الاستقبال الاول من نوعه بهذا الشكل مثّل نقطة تحول في علاقة الجهة بالدولة ليس الأمر متعلقا بقطيعة بين القصرين والدولة بقدر ما كان الأمر متعلقا برحلة موغلة في المركزية بين الجهة والدولة إلى درجة أنه تم اختصارها تاريخيا في ثلاث مراحل: - المرحلة الأولى كانت تضم فترة الاستعمار الفرنسي وفجر الاستقلال حيث تراوح دور الجهة بين المقاومة المسلحة وما رافقها من نضالات وصبر مع كافة القوى الوطنية التي سارت في نهج التحرر. وبعيد الاستعمار لم تكن العلاقة مع "المركز" في أحسن حالاتها فالجهة التي تضم قبائل فراشيش وماجر التي عرفت في عهد ما قبل الاستعمار بثورتها الكبرى على الباي كانت مصدر قلق للسلطة المركزية التي أوجدها وضع ما بعد الاستقلال ومن هنا تأسست العلاقة على شك وريبة كبيرين وصلا إلى الصدام مع اصطفاف عدد كبير من المناضلين التاريخيين في الجهة للحركة اليوسفية خصوصا بروز أحمد الرحموني الذي حكم بالاعدام كأحد القيادات البارزة في التيار اليوسفي. لتستمر علاقة التوتر بين الجهة والمركز إلى حدود انقلاب 87 الذي نفذه بن علي ضد نظام بورقيبة. - المرحلة الثانية هي مرحلة نظام بن علي حيث كان هناك في البداية مرحلة من الهدنة تمثلت أساسا في محاولة النظام إبراز مناطق الظل التي نسيتها الدولة غير أن هذا لم يكن حلا جذريا ولا همزة وصل مخلصة بين المركز وأطرافه البائسة حيث تم حرمان الجهة من نصيبها على كافة المستويات فالولايات التي تحيط بها مثل الكاف والقيروان وقفصة شهدت على الأقل بناء عدد من المرافق المهمة مثل الجامعات والإذاعات والمستشفيات الكبرى، في حين تم تحييد القصرين بشكل مشبوه وليس له أي تفسير علمي مما ضاعف مشاعر القطيعة بين المركز والجهة. - المرحلة الثالثة هي مرحلة الثورة وما بعدها قد مثلت ظهورا جليا القطيعة في أشكال مختلفة فالقصرين التي شهدت خروجا أقوى من غيرها في أيام الثورة وعرفت مجزرة مروعة خلال أيام طرد بن علي ووصل الأمر إلى وصول اعتراف محمد الغنوشي في جلسة استماع بمنتدى التميمي قال فيه إن بن علي قال حرفيا إنه مستعد لقصف حي الزهور بالطائرات ولا مانع عنده في موت المئات قصد إخماد الثورة. غير أن التحام الجمهور الواسع من أبناء هذا البلد رفع البلاء الذي -كان حسب الغنوشي- قريبا وجادا عن الجهة وجنبها مزيد إراقة الدماء. ومع تتطور المسار الديمقراطي واستمرار الوضع المتردي وجد اهالي الجهة أنفسهم في خط الرئيس الحالي الذي جاء بالمركز إلى إحياء وحواري الجهة المهمشة ووضع أمامهم فرصة تاريخية ليضعوا حيرتهم ورغبتهم أمام رأس النظام ورأس مركز القرار. اليوم نحن في مرحلة جديدة فعلا في خصوص العلاقة بين مركز الدولة والداخل خاصة ولاية القصرين لسببين رئيسيين هما أن الرئيس يمثل جيلا جديدا من القيادة التي تحمل أفكارا تقطع مع التعامل التاريخي على أساس الجهة المقلقة والمصدر المشكل الأمني. أما السبب الثاني فهو متعلق بنظرة شباب الجهة الذي أصبح الرئيس بالنسبة له نقطة تواصل مع مركز بلده وليس ذلك الوكيل للاستعمار او الرئيس الخائف من "العروش" أو القيادة التي تأتي لأخذ صور الدعم الانتخابي وتذهب بلا رجعة. المنتظر الآن ليس ما سيقوم به رئيس الدولة فهو قد بعث الرسالة الأهم رسالة البدء بل المنتظر الآن هو ما سيقوم به رئيس الحكومة من خطوات على نفس النهج حتى تلتحم كل الاطراف التونسية بمركزها وليس ولاية القصرين فقط. لكن مع هذا الانتظار لا بد من القول مرحبا بالمركز في ولاية القصرين؛ أو مرحبا بالقصرين في مركز الدولة.