- طارق عمراني - نشر موقع مجلة جون افريك الفرنسية تقريرا تحت عنوان Normalisation avec Israël : le timide « non » tunisien تناولت فيه التحولات التي عرفها موقف الرئيس التونسي قيس سعيد من التطبيع مع إسرائيل فيما يشبه التغيير الشاقولي ،حيث أن المواقف الاخيرة للرئيس التونسي اتسمت ب "الرفض الخجول " للتطبيع بعد ان كان يصفه ب "الخيانة العظمى " حسب تعبير المجلة. و سلّط التقرير الضوء على الموقف الرسمي التونسي من العلاقات مع إسرائيل منذ الإستقلال و حتى قبله مشيرا إلى موقف قيس سعيد خلال حملته الانتخابية و حتى خلال الأشهر الاولى من عهدته كرئيس للجمهورية الذي كان راديكاليا في هذا الموضوع و صولا إلى التغير الجذري الذي عرفه موقفه مع إنطلاق قطار التطبيع الذي انطلق من المشرق العربي حيث بدأت دول عربية في كسر الحواجز مع تل ابيب . و أردفت المجلة الفرنسية بالإشارة إلى ردة الفعل التونسية على مستوى الرأي العام و النخب حيث كانت ردة غاضبة من التطبيع الإماراتي مع إسرائيل في منتصف شهر اوت اذ أدان البرلمان التونسي هذه الخطوة علاوة على مواقف مماثلة من المنظمات و الاحزاب و مكونات المجتمع المدني مقابل صمت مطوّل من رئيس الجمهورية الذي عرف بدفاعه الشرس عن القضية الفلسطينية و جعلها مناخ جمل و مربط فرس حملته الإنتخابية سنة 2019 و حتى خلال الأشهر الاولى بعد فوزه في الإنتخابات الرئاسية ،غير انه التزم الصمت بعد إعلان اتفاق التطبيع بين ابوظبي و تل ابيب يوم 13 أوت و كان بلاغ الخارجية التونسية يوم 19 من ذات الشهر غامضا و حذرا . و أضاف التقرير بأنه بعد ذلك ،استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد ،السفير الفلسطيني في تونس هائل الفهوم في قصر قرطاج ليكرر دعمه للحق الفلسطيني دون إدانة الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي و هو ما برره بقوله "نحن لا نتدخل في اختيارات الدول الأخرى ،فذلك شأن داخلي و يتحملون مسؤوليات قراراتهم أمام شعوبهم "... و اعتبرت المجلة ان هذه الكلمات كانت بعيدة كل البعد عن نظيراتها التي قيلت سابقا حيث صرّح سعيد في حوار له مع التلفزيون الرسمي التونسي بأن "تطبيع العلاقات مع إسرائيل مظلمة القرن و خيانة عظمى "، و اعتبر المحلل السياسي يوسف الشريف في تصريح للمجلة الفرنسية بأن سعيد "أراد في البداية تغيير الواقع لكن بعد سنة من انتخابه بدأ يتعود على دوره كرئيس للجمهورية ،لقد فهم أنه من الأفضل التمسك بالدبلوماسية التقليدية، ربما لذلك اختار وزير خارجية ينتمي إلى تلك المدرسة." و تحدث التقرير الفرنسي عن وزير الخارجية التونسي عثمان الحرندي الذي تولى منصبه بداية شهر سبتمبر ، حيث بدأ مسيرته المهنية دبلوماسيا في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة . و أعتبرت المجلة الفرنسية أن كل المؤشرات تؤكد أن الرئيس التونسي يعتنق العقيدة الديبلوماسية التقليدية التي تحاول النأي بتونس عن كل النزاعات الخارجية غير أن الشأن الفلسطيني لم يكن يوما شأنا خارجيا بالنسبة لتونس التي تعرضت لقصف اسرائيلي نتيجة احتضانها لقيادات من المقاومة الفلسطينية . و عن العلاقات التونسية الإسرائيلية غير الرسمية استشهدت المجلة الفرنسية بتقرير تم نشره سنة 2000 للمؤرخ الإسرائيلي مايكل لاسكير الذي استند لمجموعة شهادات حية و وثائق ارشيفية تؤكد ان الإتصالات الاولى بين البلدين تعود إلى خمسينيات القرن الماضي ،خلال الاستعمار الفرنسي ، و تحدث لاسكير عن اتصالات في نيويورك جمعت ديبلوماسيين يهود و قادة من حزب العمل الاسرائيلي من جهة و ممثلين عن الحزب الحر الدستوري بقيادة بورقيبة كانوا يأملون دعم اللوبي الصهيوني لقضيتهم في نيل الإستقلال و هو ما لم تقدمه لهم إسرائيل التي كانت لا تريد اغضاب فرنسا، ليتواصل التنسيق بين بورقيبة و اسرائيل بشكل غير رسمي بعد الإستقلال سنة 1956حيث حاول اقناع الجامعة العربية بتجنب التصادم مع تل ابيب و انتهاج درب "المرحلية" و شعارها "خذ و طالب " و هو ما اغضب الدول العربية و تسبب في مظاهرات شعبية ضد تونس في القدس و القاهرة و دمشق و بيروت . و وفق ديبلوماسي تونسي فإن العلاقات التونسية الاسرائيلية غير الرسمية لم تنقطع ابدا فتونس تعتمد بشكل كبير على الادوية الإسرائيلية ،كما أن السلع تمر عبر الاردن و يتم تغيير أسمائها هناك . و ختم التقرير الفرنسي بالإشارة إلى ان الضغوطات على تونس متأتية من الخارج و لا سيما من الحليف الأمريكي ،لذلك على رئيس الجمهورية قيس سعيد أن يجد مقاربة بين موقفه الشخصي من هذه القضية و بين الواقع الدولي ،دون أن يغضب انصاره و هي معادلة صعبة ،فإذا بدأ حلفاء تونس في الضغط عليها من اجل التطبيع فسيكون سعيد في موقف لا يحسد عليه .