نصرالدّين السويلمي الآن وفي هذه اللحظات وليس في هذه الأشهر والأيام، الآن وفورا تركّز الجهود الأمريكيّة الإماراتيّة الرامية إلى جرّ العالم الإسلامي إلى التطبيع الكلّي مع الكيان، تركّزعلى الجبهة الأندونيسيّة، مع تراجع وارتخاء على الجبهة الباكستانيّة في انتظار ما ستسفر عنه الضغوطات السعوديّة التي تبتزّ عمران خان عبر بوابة القروض والمساعدات، وأيضا تلوّح بإسقاطه إذا ما واصل في سياسة التعنّت، فيما يبدو عمران خان قد حسم أمره بالصمود ويسعى بقوّة وبسرعة إلى تدثير نفسه بالإسلاميّين وبالقبائل المحافظة مع محاولة تحجيم دور السعوديّة داخل أجهزة الاستخبارات الباكستانيّة. موقف عمران خان نقله وزير الخارجيّة الباكستاني إلى أبو ظبي بشكل مباشر أين التقى بالمسؤولين الإماراتيين واعتذر عن صعوبة تلبية أمر التطبيع لعدّة أسباب. أمّا على الجبهة الأندونيسيّة فالولايات المتّحدة طرحت عرضها وتراجعت تترقّب الجواب، في الأثناء تحرّك فريق محمّد بن زايد الذي اكتسب خبرة في المساومة والابتزاز على جبهة التطبيع، ودخل على الخطّ لدراسة الموقف الأندونيسي وجسّ نبضه والبحث عن نقاط ضعفه التي يمكن أن يتسرّب من خلالها، ويبدو أنّ العرض أضخم ممّا تصوّرت جاكرتا، فتطبيع أكبر دولة في العالم الإسلامي من حيث العدد "270 مليون نسمة" ستدفع بموجبه الولايات المتّحدة من مليار دولار إلى ملياري دولار إعانات سنويّة، وسيتكفّل محمّد بن زايد ومحمّد بن سلمان بكلّ أو جلّ المبلغ إذا ما وافقت جاكرتا. ولا تبدو الجهود التركيّة بقادرة على توفير ما تحتاجه أندونيسيا، رغم تواجد وزير الخارجيّة التركي داوود أوغلو هذه الأيام في جاكرتا وحواراته المكثّفة تمهيدا للزيارة التاريخيّة التي سيقوم بها الرئيس رجب طيّب أردوغان العام المقبل والتي سيوقّع خلالها واحدة من أضخم الاتفاقيّات في تاريخ البلدين وذلك عبر مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، ويرى أوغلو أنّ كتلة سكانيّة ب 350 مليون نسمة "اندونيسيا+تركيا" قادرة على فعل الكثير، لكن هل تفعل فعلا؟ هل لديها الوقت لذك؟! اقرأ أيضا: تونس تنفي ما يروج من "ادعاءات" بخصوص إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني بالنسبة للسودان فقد تلقّت أول صفعة بعد إعلان الولايات المتّحدة أنّها لن تسقط المتابعات المتعلّقة بأحداث 11 سبتمبر، وإنّما ستقايض التطبيع بالإعانات الاقتصاديّة وتكون بذلك أفرغت قرار رفع السودان من قائمة الإرهاب من جميع محتوياته.. أمّا موريتانيا فقد تكفّلت بها الإمارات وطالبت بترك أمرها لها لأنّها أدرى بها من حكّامها، خاصّة بعد أن ضخّت المليارات وتكفّلت بتنمية العاصمة نواكشوط، وبعد أن هندست الخارطة الدينيّة لمّا أقرّتمجزرة إغلاق الجمعيّات تلك التي تتهم أغلبها "بالأخونة" كما أغلقت مركز تكوين العلماء الذي يقوده الشيخ محمّد الحسن ولد الددو بنفس التهم، وعملتطوال سنوات على استبدال التيّار الإسلامي العريق بآخر من تأليف وإخراج آل زايد يقوده الشيخ عبد الله بن بيه، وبالقضاء على الإسلاميّين والهيمنة على الاقتصاد وتصعيد محمّد ولد الغزاوني إلى الرئاسة أصبحت موريتانيا ورقة إماراتيّة خالصة تستعملها للتطبيع ولغير التطبيع متى أرادت وكيفما أرادت. هذا الوضع المتردي وهذه التسرّبات والاختراقات عبر بوّابة الاقتصاد سيتمّ اللعب عليها في تونس وفي أقرب الأوقات، بل لقد باشروا الجريمة، فقط بعض الوقت حتى تتمكّن أبو ظبي من إقناع واشنطن بعبثيّة الحواراتالجانبيّة بين الفرقاء في ليبيا والتوجّه نحو الرهان على حفتر ضمن توافقات مع موسكو وباريس، والأكيد أنّها لم تصدر تصريحات جديدة لحفتر تنقذ التصريحات السابقة التي أعلن فيها استعداده للتعامل مع إسرائيل، جاء ذلك في تصريح أدلى به خلال ديسمّبر من سنة 2014 لصحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطاليّة، ثمّ إنّ علاقات حفتر مع الإسرائيليّين لا تخفى بل ومتواترة، فقد تواصل لمرحلة طويلة مع مستشار الأمن الإسرائيلي "آري بن مناشي" ، وتواصل مع الليكودي"أورين حزا" ، كما تواصل ويتواصل إلى اليوم مع المخابرات الإسرائيليّة عبر الضابط موشيه، وبوساطة من رجل الأعمال الليبي حسونة طاطاناكي. أمام هذه المخاطر كان يفترض أن تسعى جميع الأطراف في تونس إلى سدّ الباب الأخطر الذي يمكن أن يلج منه التطبيع! "باب الاقتصاد" لكن وقع عكس ذلك تماما، فالقوى التي صنّفت نفسها "ممانعة" تتخندق اليوم في بطحاء الإتحاد وتمعن في تحريض منظمة الشغيلة التي شنّت على البلاد في السنوات الأخيرة أكبر وأضخم سلسلة إضرابات في تاريخ تونس القديم والحديث!!! وتستعد إلى تخمة إضرابات أخرى في عمليّة تركيع حقيرة وجبانة تستهدف إنحناء تونس أمام جائحة التطبيع، يصنعون كلّ هذا الخراب، يلطّخون تونس،، يقيّدونها، يقدّمون السكين للجاني، يبركون عليها.. ثمّ يطلقوا لائحة لتجريم التطبيع!!! ليس بعيدا عن هؤلاء يعمل الرمز الأول للبلاد بكدّ وجهد وبلا هوادة على بثّ الرعب في المستثمر المحلّي والأجنبي بل في الشعب بل في البلاد ببرّها وبحرها وجوّها، خطابات متوتّرة ووجه محتقن وأحاديث توحي بأنّ التتار تجاوزوا صحراء تطاوين وأنّ المغول قاموا بإنزال مكثّف على شواطئ بنزرت، وأنّ إبليس بخيله ورجله تجاوز السحاب الأسفل ودخل مجالنا الجوي!!! يجمع الجيش ويتحدّث عن أخطر مرحلة تمرّ بها تونس في تاريخها! ويزمجر حتى تسقط الكمامة من على فيه وأنفه فيردّها مرتعشا ثمّ يعود إلى ضخّ الرعب القادم من كلّ صوب، والمستثمرون على قلتهم يسمعون إلى معزوفته "الترويع" الرهيبة النشاز المنذرة بالإبادة الجماعيّة... قالها يوما "مرّة أخرى خيانة عظمى" وقالوها دوما "لائحة لجريمة التطبيع" ثمّ يكركرو تونس إلى التطبيع!