بقلم: فوزي الجلاصي متصرف عام بأملاك الدولة بتاريخ 16 جانفي 2021 أعلن السيد هشام المشيشي، رئيس الحكومة ،عن قراره القاضي بإجراء تحوير حكومي يشمل إحدى عشرة حقيبة وزارية،مشيرا إلى أنه يعتزم التوجه "إلى مجلس نواب الشعب ليعرض على أنظاره عملية التحوير وفق ما ينص على ذلك الدستور، فهل من موجب قانوني لذلك وهل أورد الدستور أحكاما في الغرض؟ تتجه الإشارة بداية إلى أن إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة هو من الاختصاص الإقصائي لرئيس الحكومة وبالتالي فإن التحوير المعلن عنه يتنزل في إطار ممارسة الصلاحيات التي يخولها الفصل 92 من الدستور لرئيس الحكومة . غير أن التساؤل يثور بشأن ما ألمح إليه السيد رئيس الحكومة بشأن نيته عرض عملية التحوير على أنظار مجلس نواب الشعب، فهل من موجب دستوري أو قانوني لذلك؟ يتجه التذكير بأن الإجراء– عموما - ليكون ملزما للسلط العمومية ولسائر المؤسسات الدستورية ،يتعين أن يكون واضحا وصريحا وأن يكون سنده الدستور أو القانون وليس الأهواء والرغبات. وبمراجعة أحكام الفصول 89 وما يليه من دستور الجمهورية الثانية ، المتعلقة بالحكومة باعتبارها أحد رأسي السلطة التنفيذية ،يتضح أن لا أثر لما يوجب على رئيس الحكومة عرض عملية التحوير الحكومي التي يجريها ،على أنظار مجلس نواب الشعب قصد "نيل الثقة". والمعلوم أن السيد هشام المشيشي تمت تسميته رئيس حكومة بعد أن نالت حكومته ثقة المجلس على معنى الفصل 89 من الدستور ، ما يرجح أن أحكام الدستور تكتفي بإجراء منح الثقة الحاصل،بداية ،إلى الحكومة كفريق وككيان متضامن وهي لا ترى موجبا لمنحها إلى أعضائها منفردين حتى وان انتموا إليها لاحقا. علما بأن أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 97 من الدستور،ولئن خولت مجلس نواب الشعب إمكانية سحب الثقة من أحد أعضاء الحكومة، فإنه بالمقابل لا أثرا لإجراء مماثل بشأن منح الثقة لعضو الحكومة (في إطار التحوير)،وبالتالي فإن لجنة صياغة الدستور رأت من الحكمة عدم تبنيه ،ما يؤكد أن أحكام الدستور لا تستوجب نيل الثقة إلا للحكومة كفريق متضامن ، وبالمقابل فإنها لا تشترط نيلها،على الأعضاء المنتمين إليها لاحقا بمناسبة عملية تحوير. ولكن قد يعتبر البعض أن عملية عرض التحوير، على أنظار المجلس، لها ما يبررها، في أحكام النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب وتحديدا الفصل 144 المتعلق ببيان إجراءات منح الثقة لعضو من الحكومة ،فما مدى وجاهة هذا الرأي ؟ تتجه الإشارة بداية إلى أن أحكام النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب صدرت بموجب قرار مصادقة المجلس على نظامه الداخلي في الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ الثاني من فيفري سنة خمس عشرة وألفين . ومن حيث طبيعتها تعتبر تلك الأحكام قواعد تفسيرية، توضح إجراءات عمل المجلس وهياكله المختلفة ،سواء فيما بينها أو في علاقة بباقي المؤسسات الدستورية والهيئات التي تتعامل معها ، وبالتالي فمن حيث الحجية والأثر الملزم فهي دون القاعدة الدستورية. وطالما هي كذلك فإن اعتمادها يفترض إن يكون له أصل ضمن أحكام الدستور وإلا فإن عملية التوضيح تصبح لا معنى لها وفاقدة لما يبررها. وللإشارة فإن الفصل 144 ورد ضمن العنوان الأول من الباب التاسع المتعلق "بمنح الثقة للحكومة أو لأحد أعضائها"وقد أورد"- يوزع على أعضاء المجلس قبل افتتاح الجلسة المتعلقة بالتصويت على منح الثقة لعضو الحكومة ملفا يتضمن بيانا مختصرا حول سبب التحوير وتعريفا موجزا بعضو الحكومة المقترح " وأضاف بالفقرة الثانية "إذا تقرر إدخال تحوير على الحكومة التي نالت ثقة المجلس إما بضم عضو جديد أو أكثر أو بتكليف عضو بغير المهمة التي نال الثقة بخصوصها فإن ذلك يتطلب عرض الموضوع على المجلس لطلب نيل الثقة"..... وبالتأمل في بنية الفصل المذكور وتحديدا فقرتيه الأولى والثانية بدا أنها تثير عدة ملاحظات : فمن حيث الشكل يبدو أن ترتيب الفقرتين الأولى والثانية لم يراع محتوى كل منهما وبالتالي كان يتعين إعادة ترتيبهما، مراعاة لتناسقهما المنطقي. أما من حيث المضمون يبدو الفصل 144 في ظاهره موضحا لإجراءات انعقاد جلسة منح الثقة لعضو الحكومة المقترح بمناسبة التحوير الحكومي ، إلا أنه باستعراض أحكام الدستور ضمن الفصل 89 وما يليه يتضح أنها لم تورد ما يستوجب عرض عملية التحوير الحكومي على أنظار المجلس لنيل الثقة، بل إنها لم تتضمن أصلا عبارة " التحوير الحكومي" ،ما يجعل أحكام الفصل 144 من هذه الناحية فاقدة لما يبررها "دستوريا " وخارجة عن إطار التوضيح والتفسير لتصبح تشريعا بذاتها ، والحال أنها أنشئت بقرار، هو لا محالة أدنى من الدستور في ضوء مراتب السلم التشريعي المعتمد ببلادنا. وواضح من صيغة الفصل 144 أن لجنة صياغة النظام الداخلي أيقنت أن مسألة منح الثقة لعضو الحكومة بمناسبة عملية التحوير لم ترد بالدستور،مما "اضطرها" إلى صياغة الفقرة الثانية على النحو الذي يفي بالغرض فتتدارك بذلك ما "أحجمت" عن تبنيه لجنة صياغة الدستور،فجاءت تلك الفقرة في صيغة تقريرية، يفترض أن يكون إطارها الطبيعي الدستور ، حتى ترتب أثرها الإلزامي لكافة المؤسسات . أما وأن صيغة الفصل 144 قد انحرفت عن إطار التفسير والتوضيح فقد باتت متعارضة مع الدستور وفاقدة الحجية ومن ثم عديمة الأثر الملزم تجاه سائر المؤسسات الدستورية، وبالتالي فليس بالإمكان اعتمادها سندا للمطالبة بعرض عملية التحوير الحكومي على أنظار مجلس نواب الشعب لنيل الثقة،بل إن الفصل المذكور يستوجب التصحيح والتعديل حتى لا يكون التفسير مدعاة للتشريع ومخالفة أحكام الدستور. لكل ذلك يبدو أن "إجراء" عرض التحوير الوزاري على أنظار مجلس نواب الشعب لا أصل له بأحكام الدستور،كما لا يمكن اعتماده استنادا إلى أحكام النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، وفي ذلك حكمة لا تعلمها إلا لجنة صياغة الدستور التي يتعين احترام اختياراتها.