بقلم : ناصر الرقيق طبعا من المستحيل متابعة جميع الأعمال الدرامية الرمضانية، لضيق الوقت و تزامنها و موانع أخرى كثيرة لكن إلى حدّ الآن شاهدت بعضا من حلقات بعض الأعمال الكوميدية ( انلوّج على الضحك ) التي يمكن لي مشاهدتها مع العائلة و هذه ملاحظاتي. 1 - الممثل لا يمكن بأيّ حال تحميل الممثل نجاح أو فشل أيّ عمل من الأعمال لأنّه ليس مسؤولا عن ذلك بتاتا، فهو فقط حلقة من حلقات الإنتاج الدرامي، صحيح أنّه أهمّ هذه الحلقات لكنّه يبقى مجرّد عنصر ليس إلاّ، فالممثل يؤدّي ما يُطْلَبُ منه و تقييمه يبقى على أداءه فقط. فكثير من الأعمال تبدو لنا تافهة لا دخل للممثل فيها بقدر ما هو ضعف و تفاهة السيناريو، الحوار و الإخراج. فالممثل كلاعب الكرة، عنده مدرّب ( المخرج، السيناريست) إن أجاد وضع خطّته، رُبِحَتْ المقابلة و ان كان غير ذلك كانت الخسارة. لكن ما يلاحظ أنّ جيلا جديدا من الممثلين التوانسة يبرز شيئا فشيئا و هم ممثلون جيدون جدّا لو توفرت لهم النصوص الجيّدة و هذه في اعتقادي أهمّ معضلة في الدراما التونسية بأنواعها. 2 - المخرج و السيناريو يعاني المخرجون التوانسة من ضعف في الخيال، فأغلب المخرجين بقوا حَبِيسِي نفس المواضيع و التصورات، ربّما هذا عائد للميزانيات المرصودة للأعمال التي يصرّح أغلبهم بأنّها ضعيفة مما يجعلهم أمام خيارات محدودة، أو هم موظفون أساسا ينفذون ما يطلب منهم فقط كحال مخرجي التلفزة الوطنية و بالتالي ليسوا مسؤولين مسؤولية كاملة عن العمل. لكن ما يلاحظ هو هذا الضعف في السيناريوهات و خاصّة الحوارات، إذ يمكن أن تكون مخرجا عبقريا لكن ليس بالضرورة أن تكون سيناريست جيّد أو كاتب حوار متميّز. فكتابة السيناريو و كتابة الحوار مهنتان أخريان مختلفتان عن مهنة الإخراج لكن في تونس هذا غير معترف به و ذلك لعدّة أسباب معلومة و أخرى غير معلومة منها على الأقلّ الكاشيات، فالمخرج حتى يحصل على كاشي جيّد يقوم بجميع المهن حتّى إن تطلّب الأمر أن يتحوّل لممثل و قد حصل هذا، و أيضا حتّى يبرز في الصورة كبطل أوحد و وحيد للعمل لا ينازعه النجاح المفترض أحد آخر، فكلّ همّه أن يظهر في آخر الحلقة على الجنيريك...سيناريو و حوار و إخراج فلان... إضافة للعوامل النفسية التي يتميّزبها التونسي بطبعه و التي تجعله يفهم في كلّ شيء. 3 - تقنيّا ثمّة تطوّر كبير في تقنيات التصوير، فقد استفادت الدراما التونسية من تطور نوعية الصورة و الصوت و هذا ما يظهر في اغلب الأعمال تقريبا التي قدّمت صورة ممتازة و جميلة جدّا و هذا ما يعني أنّ التقنيين التوانسة يمكنهم إنتاج صورة جاذبة للعين لكن في المقابل الجانب الفني لم يواكب هذا التطور لذلك وجدنا أنفسنا كمتابعين أمام صورة جميلة شوّهها السيناريو و خاصّة الحوار و الكليشيهات المتكررة. 4 - نسب المشاهدة هل يصلح القول بأنّ الفيصل في تقييم الأعمال الدرامية نسب المشاهدة ؟ قطعا لا، و ذلك لعدّة أسباب. لأنّ الجمهور المستهلك لا تهمّه القيمة بقدر ما تهمّه أشياء أخرى في المنتوج كالرُّخْصِ ( عكس الغلاء)...و لكم الدليل : لو قارنا عدد المواطنين الذي يذهبون للعرّاف كمال المغربي ( متاع البرّاد ) و غيره من المشعوذين لوجدناهم أضعاف أضعاف من يذهبون للأطبّاء للتداوي، فهل هذا يعني مثلا أنّ العراف أفضل من الطبيب. دليل ثاني : لو قارنا عدد التوانسة الذين قرأوا ما تكتبه بنت الفازع و الذين قرأوا السدّ للمسعدي، لوجدنا أنّ قرّاء بنت الفازع أضعاف قراءالمسعدي، فهل هذا يعني أنّها أفضل من المسعدي. دليل ثالث : لو قارنا عدد مرتادي الحانات بمرتادي المكتبات العمومية، لوجدنا أنّ الحانات تكتظّ بأصحابها في حين أنّ المكتبات خاوية، فهل هذا يعني أنّ الحانات أفضل من المكتبات. دليل رابع : أنظروا في السلع المعروضة في أيّ من الأسواق، ستجدون حتما أنّ أرخصها هي أكثرها رواجا، فهل هذا يعني أنّها الأفضل في السوق. دليل أخير : قارنوا بين نسبة مشاهدة البثّ المباشر لنرمين صفر عَلى الفايسبوك و غيرها من برامج أو مسلسلات أو أفلام القنوات التونسية مجتمعة التي تبثّ في نفس الوقت، لوجدتم الفرق شاسعا، فهل هذا يعني أنّ ما بثّته تلك المرأة أفضل مما تبثّه القنوات التونسية. خلاصة القول في هذا الباب، أنّ نسب المشاهدة ليست مقياسا و لا دليلا على نجاح أي عمل أو جودته بقدر ما هو محدد بسيط من عدّة محددات أخرى لأنّ النفس البشرية بطبعها ميّالة لكلّ رخيص ( عكس مرتفع الثمن ). 5 - هل يشاهد المخرج و الممثل عملهم قبل بثّه ؟ أشكّ في ذلك، لأنّه لو بالفعل يحصل ذلك لشَعُرَ كثير منهم بالخجل لتفاهة المنتوج لكن أظنّ أنّ الكاشيات مقدّمة على كلّ الجوانب الأخرى والدليل هل سمعتم بممثل تونسي رفض دورا بتعلّة ضعف السيناريو مثلا ؟ أكيد أنّكم لم تسمعوا بذلك. إذن كان الله في عوننا على تحمّلهم.