-1- إن ما يحدث في الخليج العربي مزعج بكل المقاييس، فها اننا نقدم كعرب دليلا آخر على تخلفنا الفجوة بيننا وبين بقية العالم تتوسع .اننا نحقق نموا ...في مزيد التخلف .بنادقنا تطلق نيرانها للخلف. الغريب أن نصل الى أوج الأزمة يوم 5 جوان، في الذكرى الخمسين لنكبتنا الكبرى، والغريب ان تصدر القرارات في الرابعة فجرا، بما فتح الباب واسعا لتأويلات كثيرة. العالم من حولنا يتغير، والفاعلون يعيدون التموقع وترتيب التحالفات لتوزيع مصادر القوة والسيطرة في العالم. روسيا تعود من بعيد، والصين تتربص بالجميع بهدوء لاعب اليوغا، والادارة الامريكية الجديدة تعلن عن أهدافها بلغة مباشرة، فتذكرنا أن السياسة حرب، وان كل دولة معنية بقوتها وبسعادة مواطنيها نقطة الى السطر. وفِي جوارنا اللاعب الإيراني يستثمر كل فجوة، وكل ثغرة ،بل يصنع الأحداث. والفاعل التركي يتأقلم بذكاء مع مناخ خارجي اصبح اكثر ضغطا وعداء. والفاعل الصهيوني يؤثر في كل الساحات ،و يغير طبيعة المعسكرات ويحقق اختراقا في حديقتنا ووعينا. من حق كل فاعل ان تكون له استراتيجيته، وان يدافع بالمخلب والناب عن مصالحه. و لكن "فلا تلوموني ،ولوموا انفسكم "... -2-ما يحدث في المنطقة يتنزل ضمن سياق عام. فقد نظر الى الربيع العربي كتمرد على اوضاع استقرت لعقود، بل قد يعد اخطر من معركة الاستقلالات الاولى ،بما انه تحرير للشعب الذي صرخ انه "يريد ". لكأننا امام تقويم جديد .هو عند البعض فرصة وثغرة في طريق مسدود ،يجب ان تتوسع لتصبح ثورة حقيقية ،و هو عند البعض الاخر الخطأ الذي لا يجب ان يتكرر.اذ ارتكب العرب -او بعضهم على الأقل -خطيئتهم الكبرى ،و تجرّؤوا على ثمرة الحلم المحرمة . -3-و ما يحدث في المنطقة يتنزل ضمن سياق خاص بالأوضاع الداخلية للفاعلين المباشرين،وبنوعية العلاقات وتوزيع السلطة بينهم. و هو مفتوح للاسف على كل الاحتمالات . الدول التي قطعت علاقاتها بقطر ليست كتلة واحدة .والاطراف الاكثر تطرفا ستحاول الدفع للاقصى . ولكن دولة قطر تملك ايضا اوراقا كثيرة .و الفاعلان الروسي و الإيراني يجيدان اقتناص الفرص لتثبيت تأثيرهما في المنطقة .و الفاعل الامريكي لا يزال حذرا في مواقفه .يسعى بالطبع لاضعاف الجميع و لكن لا يرجح سماحه بتغيير عميق للمعادلة . الوضع مفتوح على كل الاحتمالات ،و لكن نرجح مخرج احتواء الازمة .بالطبع هناك خسائر كثيرة قد حصلت بعد .و ايقاف التدهور لا يزال ممكنا. الدبلوماسية الناعمة ستبدأ الآن بالاشتغال .و المرجح ان تركز على الطرف السعودي الاكثر تأثيرا و عقلانية . الكويت ،كعادتها ،ستكون طرفا وسيطا نشطا ،و كذلك تركيا ،و ربما روسيا ،و حتى الولاياتالمتحدة . تونسيا يجب ان تكون بوصلتنا واضحة .لقد جربنا في بعض المحطات اصطفافات حادة ،و تأكدنا لاحقا انها لم تكن مفيدة . فلسفة مقاربتنا يجب ان تكون فيها مواءمة بين عروبتنا و "تونسيتنا ". في معارك الاشقاء الجميع خاسرون ، من كان فاعلا مباشرا، ومن تطاله الطلقات الجانبية. وفِي تونس لنا بوصلة: استكمال المسار وكسب معارك التنمية ومقاومة الفساد ودحر الارهاب. اعتصام الكامور لا يزال منتصبا والحرب على الفساد في بداياتها والانتخابات ليست بعيدة. وكسب هذه المعارك يتطلب تنويع الصداقات و تقليل الخصومات. كما يتطلب محيطا مستقرا. تونس يجب ان تضع نفسها في استراتيجية رأب الصدع واحتواء الازمة و لها من الموارد البشرية و الرمزية ما يؤهلها ،مع آخرين ،لهذا الدور . كل الخبرات التونسية من زعماء احزاب و رؤساء حكومات ووزراء و برلمانيين سابقين يجب ان يكونوا على ذمة دولتنا في هذه المهمة .فلكل منهم شبكة علاقاته ودائرة تأثيرة، وتجميعها لا يمكن الا ان يكون مفيدا في تجنيب منطقتنا الاسوء ،و في ترسيخ صورة تونس فاعلا عقلانيا متوازنا. لا يجب ان نحول من الخصومات، التي نأسف لها في المشرق ،خصومات تونسية -تونسية . يمكن ان نختلف في هذا الموقف الجزئي او ذاك ،و لكن لا يجب ان نختلف في العناوين الكبرى لمشروعنا الوطني و استحقاقاته الأساسية .