"ورأيت الشهداء واقفين، كلٌ على نجمته، سعداء بما قدّموا للموتى الأحياء من أمل"، بيت شعري تنطبق رمزيته على شهداء انتفاضة الخبز التي جدت أحداثها عام 1984، وخلفت شهداء أحياء لا يموتون، يظلون أحياء في القلوب. فخر الدين شهيدة، شهيد أهدته مدينة اختارت لنفسها صوت الدفاع عن الحقوق والحريات والتصدي للأنظمة الدكتاتورية، لذاكرة انتفاضة الخبز، وهي مدينة جبنيانة إحدى أهم المناطق المناهضة للسياسات الحكومية المكرّسة لكل مظاهر التجويع والتفقير.
سقط التلميذ فخر الدين شهيدة في 3 جانفي 1984 شهيدا قبالة مدرسته عن سن تناهز الثانية عشرة سنة ولاتزال عائلته والى حد يوم احياء الذكرى الخاسمة والثلاثين لاستشهاده ، تطالب بمحاكمة الجناة وقتلة ابنهم الشهيد.
"الشهيد حي لا يموت"، يقول صابر شهيدة، شقيق شهيد انتفاضة الخبر، مؤكدا أن رصاص القمع لن يثني أي صوت حر في الدفاع عن حقه في الحياة الكريمة.
ويعود صابر شهيدة بذاكرته إلى يوم استشهاد فخر الدين شهيدة وسط مدينته التابعة لولاية صفاقس، ويبرز في حديثه لحقائق أون لاين أن ذكرى أحداث الخبز تأبى النسيان وظلت عالقة في الأذهان بكل مجرياتها، مذكرا أن حوالي 3000 شخص خرجوا في مدينته آنذاك احتجاجا على رفع حكومة محمد مزالي الوزير الأول آنذاك، الدعم عن العجين ومشتقاته ليرتفع سعر الخبز من 80 مليما إلى 170 مليما.
لحظات مقاومة واحتجاج على قرارات حكومية مجحفة، سبقت استشهاد فخر الدين شهيدة بين أحضان شقيقه الذي يصغره سنا مدافعا عن حقه وشعبه في العيش الكريم.
تلميذ الثانية عشرة، اختار أن يرمي قوات الشرطة في ذلك اليوم بسلاح وفرته له طبيعة المدينة المهمشة، ورمى سيارات بوليس بورقيبة بالحجارة داعما حناجر دعت إلى إسقاط نظام أراد لشعبه الجوع آنذاك وفق ما يقول شقيقه صابر شهيدة.
فخر الدين أو فاخر كما يلقبونه في مدينته، دعم رفقة صديقيه حمة بن صالح ومنير التومي وشقيقه صابر شهيدة احتجاجات جبنيانة ورددوا شعارات مناهضة للنظام قبل أن تفاجئه بندقية قناص من فوق مبنى المعتمدية فأطلقت النار على رأسه فسجلت دماؤه اسمه واسم مدينته في ذاكرة الوطن.
ويقول شقيقه صابر شهيدة "وضعت جثمانه على قدميّ الصغيرتين محاولا إسعافه رغم أصوات الرصاص التي كانت تحاصرني وكادت تلحقني بقائمة شهداء انتفاضة الخبز".
ونقل جثمان الشهيد إلى المستشفى الجامعي بصفاقس أين استحوذت السلطة على جثمانه ورفضت تسليمه لعائلته وظل في مشرحة المستشفى لمدة يومين.
وبحسب صابر شهيدة، طالبت السلطات المحلية من والد الشهيد امضاء التزام بكونه سيتكفل بدفنه لوحده وهو ما التزم به والده لكن ظل كفن الشهيد بيد والده، فقد دفعت مخاوف حكومة بورقيبة من تتبعات دولية إلى رفض تسليم جثمانه ودفنه رفقة عشرة شهداء آخرين في مقبرة البدران بطريق قابسبصفاقس.
رغم صغر سنه، إلا أن فخر الدين شهيدة دون اسمه في ذاكرة التونسيين وظل اسمه رمزا من رموز مقاومة الاستبداد في مدينة تلقب بقلعة النضال لما أنجبته من مناضلين وحقوقيين.