يلقي ركن "زووم" على قطاع الطفولة في مقال اليوم عينا على المعهد العالي لإطارات الطفولة قرطاج درمش، المؤسسة الجامعية التي بقيت خارج التصنيف رغم عراقتها وتفرّدها وارتباطها بأحد أهم الفئات العمرية. وهذه المؤسسة نشأت كمدرسة وطنية يتم الدخول إليها بلا مؤهل جامعي وغير خاضعة للمنظومة الجامعية بالمفهوم المتعارف عليه إذ كانت المدرسة الوطنية لتكوين إطارات الطفولة كما كانت تسمى سابقا، تقبل تلاميذ لا يحملون شهادة الباكالوريا وتسند شهادة مربّ برتبة منشط. وفيما بعد أصبح حاملو شهادة الباكالوريا يؤمون المدرسة إلى جانب غير حامليها، وكانت تُسند شهادة مربي طفولة تنظيرا مع شهادة المربي التي تسندها المدرسة الوطنية لإطارات الشباب التي كانت المؤسسة الأم التي كانت في بداية الامر تجمع الصنفين قبل أن ينفصلا في الثمانينات. والمدرسة الوطنية لتكوين إطارات الطفولة تُعدّ المؤسسة التكوينية المختصة الوحيدة في مجال الطفولة على المستوى الوطني والعربي والافريقي وتتميّز بتكوينها الميداني الثري والعميق للارتباط الوثيق بين التكوين وحقيقة الميدان واحتياجاته، تكوين يراعي المصلحة الفضلى للطفل والطفولة بعيدا على كل الغايات الأخرى التي نعيشها اليوم. وتتالت على هذه المؤسسة شخصيات قدّمت الإضافة الى التكوين وترسيخ قيم تربوية وبيداغوجية وفنية جمالية ووطنية بالأساس، على عكس التكوين اليوم الذي أصبح يشهد عديد الهنات والنقائص إذ لا يتم وضع البرامج والمضامين وفق رؤية وتصور واستقراء للواقع. وقد عرفت المؤسسة أوجها على يد عدد من المدرسين أصحاب الرؤية، من بينهم رشاد بن حميدة الذي أحدث ثورة بيداغوجية وعلمية واعتمد بشكل تام على المدارس البيداغوجية الحديثة وأرسى جسورا مع المجال التطبيقي ومؤسسات الطفولة وتواصل. نفس التمشي انتهجته الاستاذة السيدة غريب التي سعت الى جعل المؤسسة التكوينية ورشة مفتوحة للتقنيات والفنيات والتطبيقات خلال العطل واثناء سير الدروس وهو ما مكن الطلبة من تعلَمات ميدانية ملائمة وعميقة والراحل الطاهر عبيد ترك بصمة اختصاصه في التوثيق فنظم الإدارة وأحي ذاكرتها وبعث مركزا للتوثيق والمكتبية ومتن الصلة مع الأطر من خارج المؤسسة والمصالحة مع كل الاختصاصات على اختلافها. ورغم أن هذه المرحلة تتسم بنواقص وهنات فإنها تتميّز بهامش كبير من البناء والإضافة الحقيقية، لكن اليوم تنزلق المؤسسة نحو المجهول وتنشب قطيعة بينها وبين احتياجات واقع الطفولة ومؤسساتها على عكس الانتظارات التي كانت تصب فب الانفتاح على بقية المؤسسات الجامعية وبناء جسور تواصل معها ومع هيئات ومنظمات في الداخل والخارج. ولكن جرت الرياح بما لم تشتهيه سفن الآملين في نهضة المؤسسة حيث برزت عديد الممارسات والإجراءت التي تبدو ممنهجة لطمس ملامح المعهد وتوظيفه بطريقة سلبية، من بينها غلق المطعم الجامعي الذي كان يلعب دورا اجتماعيا وتربويا، ويقدم خدمات لمختلف مكونات المؤسسة من عملة وطلبة وأساتذة واداريين وكان يعطي للحياة الجامعية معنى آخر. ومن الإجراءات الاخرى أيضا غلق المبيت الجامعي الذي كان يؤمن خدمات اجتماعية بعينها لكل الفئات التي يحتضنها المعهد وخاصة الطلبة مما نتج عنه تردّ للأوضاع وللعلاقات إلى جانب ارتسام الانقسام بين الجامعيين وغير الجامعيين في المؤسسة وبين الميدانيين والتطبيقيين والنظريين والأكاديميين. والواقع الجديد للمؤسسة الجامعية كرّس ممارسات وسلوكيات هجينة عن تقاليدها، وتعاظمت مؤشرات انحراف التكوين فيه عن مساره الاول، وفق شهادة الكثيرين، ولعل من ذلك اتساع الفجوة بين واقع التكوين في المؤسسة والميدان وسوق الشغل. مرحلة أخرى من الانهيار شهدتها المؤسسة عبر التفريط في بعض من المكاسب القليلة المتبقّية والمتمثلة في الحافلة التي كانت تعتبر آلية عمل وتنقل ووصل بين المؤسسة والميدان، وظهور ممارسات تتسم بالمحسوبية والمحاباة وبعضها يرتقي إلى شبهات فساد وهي ممارسات تنعكس سلبا على المعهد وتستدعي مزيد متابعة نتائج ملفات التفقد والتحقيق التي حصلت فعليا، غير أن تداعياتها لا تزال معلقة. ورغم الإضافات التي شهدها المعهد ظاهريا إلا انها تظل مسقطة وسطحية لا تستجيب لاحتياجات الواقع ومؤسسات الطفولة وتطلعاتها المستقبلية، ويضم المعهد اجازتين واحدة أساسية وأخرى تطبيقية اضافة الى ماجستير بحث وماجستير مهني الى جانب بعث شهادة دكتوراه بالشراكة مع مؤسسات أخرى، ولكن يظل الواقع بعيدا عن النتائج المنشودة من هذه الاختصاصات. تجاوزات كثيرة وشبهات فساد تتعلق بالتعيينات والتعاقد والترقيات وكان بعضها محل تعهد من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حيث احالت كما هو مدون بتقريرها لسنة 2018 بالصفحتين 214-215 على وكالة الجمهورية بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي أربعة ملفات فساد تتعلق بالمعهد. انقسامات داخل المؤسسة بسبب ما وصف بوضع اليد على صلاحيات الهياكل والتفرد بالقرارات وعدم نشرها لتتطلع عليها الإطارات الجامعية، وارتجال في علاقة بالدروس مما بات يحتم تدخّلا من سلط الإشراف للوقوف على حقيقة هذه الممارسات التي يتحدّث عنها البعض في السر والعلانية.