الزاهي البناني تلميذ خطفته يد العنف من أهله وغادر هذا العالم بعد تعرضه للطعن من جاره، وفارق الحياة تاركا في أهله واترابه وزملائه واساتذته لوعة وكثيرا من الذكريات. النسيان، الكذبة الصادقة التي يهرب إليها الكل اذا تسلّل الموت إلى عزيز ولكن الزوايا والتفاصيل لا تنسى، وكل ركن في إعدادية بن خلدون في القصرين يخزّن ذكرى للزاهي، التلميذ الذي عشق العمل الاجتماعي وكان فاعلا في محيطه. قبل أن تسلب طعنة روحه الطموحة والتواقة للاكتشاف، كان يشارك في أنشطة كثيرة يلاعب الألوان ويمارس التمارين الرياضية ويزرع البذور ومؤمن بفكرة التربية على المواطنة، وفق حديث أستاذته بالمعهد هاجر أسودي. وتخليدا لذكرى التلميذ الفاعل في معهد، كانت فكرة " نادي الزاهي للعناية بالبيئة" التي أطلقتها الأستاذة هاجر أسودي وهي امتداد لأنشطة نادي ابن خلدون للتربية، وفي تفاصيل أشغال تهيئة الحديقة التي انطلقت أمس الجمعة، كان الزاهي حاضرا في في رائحة التراب وفي عيون أصدقائه وأستاذته وفي الابتسامات الموشّحة بالوجع. كان يحبّ حديقة الإعدادية وكان يتعهّدها دائما، وهو اليوم حاضر في كل ثناياها رغم الغياب، هو حي في كل ركن سقاه وفي كل ذرة تراب قلّبها، هو هنا ترفرف روحه في كل الأماكن. والتلميذ الذي رحل قبل الآوان كان ملتزما تجاه إعداديته واعيا بمسؤولياته وملما بمعنى المواطنة الحقّة، كان مرحا وجدّيا وصادقا ومتفانيا، صفات تجعله ذكراه عصية على النسيان. وقبل انطلاق نشاط النادي أطلقت صاحبة الفكرة نداء لكل من يريد المشاركة نظرا لفقر ميزانية الاعدادية وفتحت الباب أمام التطوّع لتهيئة حديقة إعدادية بن خلدون تماما كما تطوّع تلميذها الزاهي لهذا العمل. وفي حضن حديقة فقدت رونقها لعدة أسباب وشحبت تفاصيلها، ولعله الحزن على رحيل الزاهي، تجمّعت عائلته وأصدقاؤه ليحيوا ذكراه في المكان الذي وهبه الكثير من وقته وأنفاسه. وعن اوّل نشاط للنادي، تقول الأستاذ هاجر أسودي إنه كان مشحونا بمشاعر متناقضة بين استشعار حضور الزاهي بينهم وبين الحزن على فراقه، ولعل حضور والدته عمّق فوضى المشاعر، فمن شأن هذا النشاط أن يؤجج لوعتها على رحيل ابنها، وفق تعبيرها. في مكان تعبق فيه رائحة ابنها، كانت أمه حاضرة محمّلة بمصاريف التهيئة وقوارير ماء وكمامات سائل تعقيم، وأصدقاؤه أيضا لبوا النداء وانبروا يزينون وجه الحديقة الشاحب ولعل الزاهي يبتسم من العلياء لرؤيتهم.. رحمه الله وأدام ذكراه في قلوب محبيه.