أجدُ عُذرا قويّا للصديقات والأصدقاء ذوات وذوي العلاقة الضعيفة أو المنعدمة بكرة القدم التونسية بأرضِها الجدباء وسمائها الصفراء وهوائها الرصاصي. أجد لهم عُذْراً في كل ما أبدوه من مشاعر الصدمة والتقزز أوّلا ممّا حدثَ وقيلَ قَبْلَ مباراة النادي الرياضي الصفاقسي وضيفِه النجم الرياضي الساحلي وأثناءها وبَعْدَها وثانيا من تضامن واحدٍ مثلي مع نادي عاصمة الجنوب ورئيسه المنصف خماخم في حربٍ فُرِضت عليه يَخوضُها كبطل تراجيدي يُغالبُ قُوًى عاتية قادرة على سَحقِه ليس له في مواجهة ذئابها النّهّاشَة وعقاربها اللساعة وثعابينها اللدّاغة أكثر من الإرادة والتصميم والإيمان. ***** أجدُ لهم العُذْرَ الكامل .. وأقول لهم كونوا متأكّدين أنني مثلُكم تماما أرفض كل شكل من أشكال العصبية الجهوية والقَبَليّة والعشائرية أنّى يكُن شكلُها وأكلُها ومهما يكن أصلُها وفَصْلُها في الكرة والسياسة والتنمية وكلّ مَناحي حياتنا التونسية غير الهنيّة … ومثلُكُم أنا تماما أرفضُ، في الرياضة عامة وكرة القدم خاصّة، كلَّ تنكُّرٍ لروحهما الأولمبية السامية وكلَّ خروج عن قواعد المنافسَة الشريفة والمُغالبَة النظيفة .. بل أرفض أنْ تكون تلك الرياضة بمُجملِها وكرة القدم بالخصوص، باعتبار انتشارِها وسَطوتِها على القلوب والعقول في أربعة أرباع المعمورة، ضِدّاً للقاء الأفرادِ والجماعات والشعوب والأمم على ما يجمعُهم ولا يُفرّقُهم .. وعلى ما يُعمّق إحساسهم بإنسانيتِهم ومُواطَنَتِهم ويُطلِق طاقاتهم الكامنة ويُفتّق ما في كياناتهم من وُرودٍ وأزهارٍ عَبِقَة تتشقق أكمامُها عنها. ***** والحالة تلك، ما بالُنا إذن تننادى إلى نُصرة نادي صفاقس ورئيسه في الوقت الذي يتمُّ تقديمُه مِن قِبَل مسؤولي الكرة ووكلائهم في كل الأوساط ذات الصلة ومنها الإعلام الرياضي، يتمُّ تقديمُه بصفته مُجرِما ومسؤولا عن كل جرائم هذه الكرة وأوساخِها وأدرانِها وعفوناتها لا عن "جريمة" عشية الأربعاء وحْدَها ؟ حَسَناً … ما مِن عاقِلٍ يُعطي للسيد المنصف خماخم صكّا على بياض سابقٍ أو لاحقٍ ليقول ما يَعِنّ له ويفعل كلّ ما يَرِدُ على عقله في حالٍ يصعبُ حقا فيها على العقل أنْ يتعقّل وعلى اليقين أنْ يكون كذلك. ولكن السؤال هنا: هل كان السيد المنصف خماخم وحْدَه الذي قال وفَعَلَ ؟ هل هو أوّل مَن خَرَجَ على النصّ ؟ وقبل هذا السؤال وذاك هل كان السيد خماخم مُتَعوِّدا على هكذا سلوك ؟ وهل كان قد سَلَكَه عشية يوم الأربعاء وليلته، شَنّا لعُدوانٍ أم دَفْعاً لِضيْمٍ وردّاً لطوفان ؟ ***** لستُ في مَعرِض التبرير للسيد خماخم .. ولا أنا بصدد تبييض هذا الأسود المتعاظم والمتلاطم لكرة تونس البائسة … أنا أحاول أنْ أفهم .. وأطلبُ أنْ أُنْصِفَ رئيسا مظلوماً وناديا محروماً وطلَلاً مرسوماً .. وهل بقِيَ من صفاقس التي يزحفُ عليها الموتُ من كل الجهات، هل بَقِيَ منها شيءٌ لا يَجعلُها في عِداد الربْع الدارسِ والرسم اليائس ؟! ولأنّ المُصابين بغرام الكرة وحُبّ نواديها -هنيئا لمَن سَلِموا من هذا الداء وهذا البلاء- لأنّ هؤلاء المُصابين ذاكرتُهم غير قصيرة، فإنهم يَذكرون كل بانديّة اللعبة واحدا واحدا .. ولصوصَها لِصّاً لِصّاً .. ومُقاوليها المشتغلين بدون رُخصة مُقاوِلاً مُقاوِلاً .. يَذكرون مَثلاً سيرة شيبوب والمُتماهين فيه الباحثين عن استنساخِه من المسيّرين الذين يسخرون من امتثال آبائهم كعثمان جنيّح للمُثُل الرياضية والأخلاق التنافسية بل ويَسمون الحكم المساعد الذي رفض احتساب هدفٍ لناديهم بداعي التسلل، بكونه أبا عياضٍ .. بل ويعتدون عليه بالضرب على مرأى ومسمع من الجميع بل ويدفعون إطاراً أمنياً سامٍياً كان بصدد التدخّل لئلاّ تتطوّر الأمور إلى ما هو أسوأ .. وتنقل وسائل الإعلام ذلك كلّه وتتعامل معه الهياكل الرياضية بمولى الدار موش هوني .. ويذكرون صولات وديع الجرئ ذات ليلة من كأس أمم إفريقيا 2015 وما أتاه بحقّ حكم المباراة الموريسي راجيندرابارساد سيشورن .. ويذكرون القصص المُبرمَجَة للتعيينات والتتويجات والآفاريات والاعتداءات وخُذْ وهات التي هي خُبزُ الكرة التونسية الأسود منذ فترة طويلة وخاصّة في فترة الحال. ***** وعليه، لا فائدة من ختم البحث وتوجيه التُّهَم وإغلاق القضية بهذه السرعة وعلى هذا النحو. لن يُقنعنا أبداً أنّ المنصف خماخم هو المُجرِم وأنّ الآخرين هم الضحايا. لن نرى في رئيس السي آس آس حتّى ذلك الشابَ الجامعيَّ الموهوبَ راسكولينيكوف الذي قَتَل في رواية دوستويفسكي العجوزَ المُرابيةَ مَدفوعا بأخلاطٍ من البواعث بين الوعي واللاوعي جعلته يتصرّف بغير ما يُمليه عليه المنطقُ والضميرُ ! ففي الرواية كان هناك جريمة .. وكان هناك عقابٌ أيضا. أمّا في سياق الحال وفي ما شَابَهه من السياقات، فكانت هناك جرائم .. ولكنها تمرّ دائما بدون عقاب ! كان هناك قَتْل .. لكنّ فاعلَه ليس منصف خماخم بل جمْعٌ مُتفرّق على جبهات القتل الرمزية والمادية التي تعيش عليها الكرة في بلادنا منذ عقودٍ ! ***** وعلى أية حال، وقبل هذا وبعده وفوقه ودونه، حاشا للسي آس آس أن تفعل هذا .. حاشا للمدرسة التي وَهَبت تونس عقودا من الجواهر والحجارة الكريمة من أمثال حمادي العقربي ومختار ذويب ومحمد علي عقيد وعبد الله عبد الواحد والمنصف قريش ومحمّد السوداني وصلاح الدين العيادي وعلية ساسي ومنجي دلهوم وبدر الدين الهنشيري والمنصف المليتي واسكندر السويّح وعلي قراجة وعبد الكريم النفطي وحاتم الطرابلسي وعلي معلول وهيكل قمامدية في كرة القدم، وغازي المهيري وحمادي حشيشة ومحمد صرصار ومصدق الأحمر وآدم النائلي وخالد كسكاس وعبد العزيز بن عبد الله وفؤاد كمون في الكرة الطائرة، وأحمد الفوراتي ومحمد المزغنّي واسماعيل البقلوطي والهادي بوريشة ومحمد علولو وعبد العزيز بن عبد الله وصلاح الزحاف وغيرهم من الرؤساء الذين تعاقبوا على قيادة المدرسة. لِيَقرَأْ الجرئ وجماعتُه تاريخَ هذا الصرح الرياضي العظيم ! وإذا كانوا في القراءة مُبيدِئين، فَليَتَهَجُّوا ! ***** عاشت ال CSS ! المجد لمدرستِها ذات الأنجُمِ والأنوار والأقباس ! يسقط الجرئ ومكتبه المُتهاوي .. وبناءَه الهاري بغير أساس !