يجتهد أغلب المسلمين في العبادات فنجدهم يصلّون الفرائض و النوافل و يصومون رمضان و غيره من الأشهر و يحجّون أكثر من مرة و يتفاخرون بختم القرآن مرات عديدة في شهر واحد.. و لكن أخلاقهم لم تتبع عباداتهم فنجد المحتكر و الغشّاش و مختلس الأموال و نلاحظ سوء العلاقات و القطيعة بين الأهل و الجيران و زملاء العمل و الكذب و النميمة و غياب الضمير المهني و الكلام الفاحش و إخلاف الوعد و الظلم بمختلف أنواعه…. و قد ركّزت الخطب و المحاضرات في كثير من الأحيان على الفقه بل و تشدّدت فيه و في إحدى المرات أبكى أحد المواطنين طفلا عندما قال له : " صلاتك باطلة لأنك بدأت بغسل اليد اليسرى قبل اليمنى في الوضوء !!! " و أين غسل القلوب من هذا ؟ أليست الأخلاق غاية العبادات بل غاية الدين كله ؟ ألم يقل الرسول محمد صلى الله عليه و سلم : " إنما بُعِثْتُ لأتمّم مكارم الأخلاق " و قال في حديث آخر : " أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا " ؟ أليست الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ؟ ألم يقل خير البرية عليه الصلاة و السلام : " من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه " ؟ أليس الحج تطهيرا للنفس يعلّم الصبر و المساواة بين الناس ؟ أليست الغاية من ختم القرآن هي تدبر معانيه السامية و تطبيق أحكامه العادلة عوض القراءة السريعة غير المركّزة و التي هدفها إكمال الكتاب ؟ لقد تفشّت بيننا مع الأسف عقلية " اعمل الفرض و انقب الأرض ".. و قد قال الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه و سلم لأصحابه : " أتدرون من المفلس ؟ " قالوا : " المفلس فينا من لادرهم له و لامتاع " فقال : " إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة و يأتي قد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار " فما أجمل العبادات إذا اقترنت بحسن الخلق و يا ندامة من أدى النظري و ترك التطبيقي في الدنيا و " يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " !