اختتمت يوم الخميس أشغال المؤتمر الدولي حول “حوار الحضارات والتنوع الثقافي” الملتئم بالقيروان من 2 إلى 4 جوان الجاري بالمصادقة على “إعلان القيروان من أجل تعزيز حوار الحضارات واحترام التنوع الثقافي”. ونوه إعلان القيروان الذي صدر في أعقاب أشغال المؤتمر بالكلمة الافتتاحية للرئيس زين العابدين بن علي والتي اعتمدت وثيقة مرجعية للمؤتمر لما تضمنته من تحليل عميق للوضع الدولي الراهن وما أثارته من قضايا وما طرحته من أفكار تسمو إلى انشغال إنساني رشيد بضرورة توحيد الجهود إلى تأسيس شراكة دولية للحوار والتعاون والسلم والتنمية يكرس التواصل بين جميع الأمم وتعزيز وحدة الجنس والمصير بين الناس أجمعين.كما أشاد بمبادرة الرئيس زين العابدين بن علي بالدعوة إلى إعلان سنة 2010 سنة عالمية للشباب وساند دعوة سيادته إلى عقد مؤتمر دولي للشباب خلال العام نفسه تحت إشراف الأممالمتحدة وبالتعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة. وأكد الإعلان أن اختيار القيروان مكانا لعقد هذا المؤتمر باعتبارها عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2009 يشكل اعترافا بدورها الرائد والعريق في بناء جسور التواصل والحوار والتسامح والسلام بين الشرق والغرب وتكريما للجمهورية التونسية التي حرصت على احتضان عدة مؤتمرات وندوات حول الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المختصة. ورحب بترشيح الجمهورية التونسية عاصمة إسلامية للحوار بين الحضارات من قبل الدورة السادسة والثلاثين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وألح على أهمية الانسجام مع مبادئ اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي التي اعتمدتها الدول الأعضاء في اليونسكو في باريس خلال شهر أكتوبر 2005 و الإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي الذي اعتمده المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة المنعقد في الجزائر خلال شهر ديسمبر 2004. وأشاد بالتعاون البناء بين الجمهورية التونسية والإيسيسكو والمنظمة الدولية للفرنكفونية في عقد سلسلة من المؤتمرات والندوات الدولية الهادفة إلى الإسهام في تعزيز القيم الحضارية الإنسانية وإرساء القواعد اللازمة لقيام حوار حقيقي بين الحضارات والثقافات على أساس شراكة متكافئة قائمة على الإحترام المتبادل والتنوع الثقافي. وشدد على أن الثقافات والأديان مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الحوار الدائم وتعزيز التعايش وإغناء بعضها بعضا بعيدا عن كل توتر أو استعلاء وأن حوار الحضارات يجب أن ينطلق من نقاط الالتقاء بدل أوجه الاختلاف في إطار الالتزام بالموضوعية واحترام الآخر. وفي هذا الإطار يتعين الابتعاد الكامل عن تشويه صورة الآخرين وازدراء أديانهم ومعتقداتهم ورموزهم الدينية وعدم المس بخصوصياتهم الثقافية. وأوضح الإعلان أن حوار الحضارات المنشود هو الذي يقوم على القيم الإنسانية المشتركة ومبادئ الحق والعدل واحترام حقوق الإنسان والتسامح والمواطنة والديمقراطية ويفسح المجال واسعا أمام تفاهم الشعوب وأكد على ضرورة إيجاد مناخ ملائم للتنمية الشاملة والمستدامة في الدول النامية. وانبثقت عن مؤتمر القيروان جملة من التوصيات حوصلها الإعلان في ما يلي: * إنشاء خلية للتفكير وتقديم مقترحات تتولى مراجعة التصور الفكري والسياسي للتعاون الدولي والتفكير في إيجاد أشكال جديدة للاستفادة من الموارد البشرية والمالية. *العمل على تطبيق الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف والاستفادة من الأدوات التعليمية المتوفرة والكراسي الجامعية وسن تشريعات وطنية ووضع معايير وآليات دولية للتصدي لتشويه صورة الآخر في وسائل الإعلام وبخاصة في المناهج الدراسية وإنشاء مراصد تعنى بالتصدي للصور النمطية والأفكار المسبقة حول مختلف الثقافات والحضارات والأديان وتعمل على تصحيحها. * تنسيق جهود الحكومات والهيئات الدولية والإقليمية والأهلية وبخاصة منظمات الايسيسكو واليونسكو والمنظمة الدولية للفرنكفونية والالكسو ومجلس أوروبا لتعزيز آليات التواصل والتفاعل والتحالف بين الحضارات وإشاعة ثقافة الصداقة والسلام والحوار والتسامح باعتبار الحوار هو البديل الوحيد لثقافة المواجهة. *إدماج التنوع الثقافي في جميع النصوص المؤسسة لجميع المنظمات الإقليمية والثقافية والدولية كقاعدة من القواعد الثابتة للسياسة الدولية ووسيلة ناجعة وفعالة لإقرار الأمن واستتباب السلام في العالم كما جاء في الإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي. * إعطاء مكانة أفضل للثقافة في علاقات التعاون الثنائية ومتعددة الأطراف وبخاصة من خلال تعزيز القدرات في مجال المحافظة على أشكال التراث والإنتاج الثقافي للبلدان النامية. * تعزيز دور المجتمع المدني وبخاصة الجمعيات المعنية بقضايا الأقليات والمهاجرين شرط أساسي لتحقيق التكامل بين تدبير التنوع الثقافي وسياسة الإدماج من خلال الحرص على تقديم التنوع الثقافي كأساس للمعرفة الجيدة بالأديان والمعتقدات ودورها في المجتمع. * الربط بين شباب العالم من خلال إشراكهم في مشاريع تمكنهم من العمل سويا وتقاسم أهداف مشتركة وتشكيل مجموعة من الشباب تختارهم المنظمة الدولية للفرنكفونية والإيسيسكو ومجلس أوروبا والكومنولث ومنظمة الدول الايبيرية الأمريكية ورابطة أمم جنوب شرق آسيا ومنظمات أخرى إقليمية أو ثقافية بدعم من الأممالمتحدة واليونسكو ليتولوا تنفيذ أنشطة في مجالات مهمة مثل التعليم والصحة والثقافة وسلامة البيئة أملا في أن تتحول هذه المجموعات إلى شبكة شبابية عالمية لخدمة القضايا المتعلقة بحوار الثقافات والتنوع الثقافي. * الالتزام بتنفيذ مقتضيات اتفاقية اليونسكو لحماية وتعزيز أشكال التعبير الثقافي و الإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي باعتبارهما وثيقتين كفيلتين بصون التراث الثقافي والتصدي بشكل عملي للتنميط الثقافي الذي تسعى العولمة لفرضه. وفي ختام هذا المؤتمر ألقى السيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث كلمة عبر في مستهلها عن سعادة تونس باحتضان هذا المؤتمر في مدينة القيروان عاصمة الثقافة الإسلامية سنة 2009 والذي شكل أحدى المحطات التي جددت فيها القيروان العهد مع تقاليدها العريقة أرضا للحوار والتسامح والاعتدال والتلاقح والمثاقفة الخصبة. وأعرب عن تقدير تونس لقيام المشاركين في هذا المؤتمرباعتماد كلمة الرئيس زين العابدين بن علي وثيقة مرجعية في أعمالهم وتناولهم لكل القضايا التي تضمنها الخطاب بالتحليل. ودعا الوزير إلى ضرورة استخلاص العبر والدروس لإقتحام مرحلة جديدة من التعاون الدولي تقر بكونية القضايا المطروحة وبالحاجة الملحة إلى تأسيس شراكة دولية للحوار والتعاون والسلم شراكة تنبذ نعرات التفوق العرقي ومركبات الغرور الحضاري والثقافي شراكة تبنى على الإحترام المتبادل ويتحاشى الشركاء فيها الإساءة إلى الأديان والثقافات الأخرى وإلى رموزها شراكة لا يكون فيها الاختلاف مبررا للإقصاء بقدر ما يكون مجالا رحبا للتنوع والثراء شراكة يقر فيها كل الأطراف بأن الحضارة الإنسانية هي إنتاج مشترك مهما تنوعت مصادره. واستعرض الوزير ما توصل إليه المشاركون في المؤتمر من أراء ومقترحات تدعو إلى الخروج من طور التنظير وإعلان المبادئ في الأوساط الضيقة إلى طور الممارسات في صلب المجتمعات والفعل الثقافي. وأشاد بالعديد من هذه الآراء والمقترحات ومنها الحرص على تحقيق العدالة الاجتماعية كشرط من شروط الحوار وتحسين أوضاع المرأة في العالم والنهوض بدور الشباب ومنها أيضا التأكيد على أهمية إشاعة ثقافة الحوار والتسامح وحقوق الإنسان والتربية عليها في صلب مجتمعاتنا من خلال مناهج التربية والتعليم وفي أنشطة مكونات النسيج الجمعياتي والمجتمع المدني وفي أجهزة الإعلام ووسائل الإتصال الرقمية الحديثة. كما نوه بالدعوة إلى إعادة الاعتبار لعلوية القانون الدولي كمرجع أساسي ينبغي حمايته من كل التجاوزات والانتهاكات بما يجنب ازدواجية المعايير ويسهم في تهيئة المناخ المناسب لحل القضايا المزمنة ويرفع المظالم عن الشعوب. ودعا الوزير مثلما أكد على ذلك المشاركون في المؤتمر إلى استكشاف السبل العملية واستنباط الآليات الجديدة التي من شأنها أن تعزز جهود المنظمات الدولية وتفعيل دورها وتساعد على حسن الالتزام بتطبيق اتفاقية اليونسكو لحماية أشكال التعبير الثقافي وتعزيزها والإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي. وألقى كل من الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم “الايسيسكو” والسيد كليمون دوهايم المتصرف العام للمنظمة الدولية الفرنكفونية والسيد جون بول كارترون سفير الايسيسكو للحوار بين الثقافات والحضارات الرئيس المؤسس لمنتدى كرانس مونتانا والقمة العالمية لموناكو كلمات عبروا فيها عن شكرهم وامتنانهم للجمهورية التونسية ولرئيسها لاحتضان القيروان فعاليات هذا المؤتمر الدولي الهام الذي من شانه أن يساهم في إعطاء دفع جديد لحوار الحضارات والتنوع الثقافي معربين عن تقديرهم لجهود كل الأطراف في إنجاح أعماله.