أخبار تونس – صدر حديثا لحساب “منشورات كارم الشريف” كتاب “في نقد ما بعد الحداثة: “نيتشه والفلسفة” لمؤلفه محمد المزوغي وهو المصنف الأول ضمن “السلسلة الفلسفية”. ويتكون الكتاب الذي جاء في 249 صفحة متوسطة الحجم، من 6 محاور وهي: حياة بطولية ونيتشه الفيلولوجي والفيلولوجي المرتد وسوسيولوجيا المأساة والدين الأرستقراطي واكتمال الأسطورة، نيتشه مألها”. ومحمد المزوغي أستاذ في مادة الفلسفة بالمعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية بالعاصمة الإيطالية روما، متحصل على شهادة التبريز في الفلسفة وعلى شهادة التخصص في الفلسفة المسيحية (فترة القرون الوسطى)، عمل مدرسا بجامعة غريغوريانا وهو مُقيم بإيطاليا منذ سنة 1989، له مؤلفات عديدة منها: “نيتشه.. هايدغر وفوكو: تفكيك ونقد”، دار المعرفة للنشر، تونس 2004 و”إمانويل كانط: الدين في حدود العقل أو التنوير الناقص” دار الساقي، بيروت لبنان، 2007 والعقل بن الوحي والتاريخ: حول العدمية النظرية في إسلاميات محمد أركون. منشورات الجمل، كولونيا، 2007 وغيرها من المؤلفات والدراسات... وينطلق المؤلف منذ المحور الأول للكتاب من حدث مفصلي في سيرة حياة فريديريك فيلهالم نيتشه (1844 – 1900) يتعلق بجنون هذا الفيلسوف الألماني، حيث يقول المؤلف بالصفحة 9 إنه “هناك من افترض بأن نيتشه لو لم يصب بالجنون لما حاز الشهرة التي حازها، ولما أوليت له تلك الأهمية الفائقة التي أذهلت الفلاسفة الأكاديميين”، فبمجرد جنونه أصبح نيتشه محل إهتمام عديد الدارسين وشرّاح الفلسفة بينما لم ينتبه إليه أحد ولم يجد صدى لصوته لما كان في أتم مداركه العقلية. ولنيتشه إنتاج فلسفي غزير كما يبدو ذلك من خلال مؤلفاته العديدة مثل: “إنساني مفرط في إنسانيته” و”العلم المرح” و”هكذا تكلم زرادشت” وّماوراء الخير والشر” و”جينيالوجيا الاخلاق”...، غير أنه في سنة 1889 بدأت تظهر عليه ملامح الإختلال العقلي واقتاده صديقه أوفرباك إلى مستشفى الأمراض العقلية بمدينة بازيليا في ايطاليا.. والمحير في المسار الفكري لنيتشه أنه لم يتردد أبدا على كلية فلسفة في حياته الدراسية بل كان مختصا في الفيلولوجيا وفي مجال الدراسات الكلاسيكية تحديدا ومثلما تعني كلمة “فيلولوجيا” كان محبا للنقاش والحوار العلمي كتوجه في التعامل مع المسائل والأفكار والأشياء تقيدا بهذا المنهج الفلسفي الذي ظهر في القرن الثالث قبل الميلاد في عهد إزدهار مدرسة الاسكندرية. وكغيره من الفيلولوجيين ركز نيتشه في كتبه على التعمق في الجانب الميثيولوجي والتاريخي العتيق أو ما يطلق عليه بعض الدارسين المتخصصين “الادراك الكلي والشامل للحياة الروحية القديمة لما عرفه شعب ما..”، مما جعله ينبغ في هذا الاختصاص ويبلغ مصاف الأسطورة حيث لا يزال صدى أفكاره الفلسفية مدويا إلى الآن في الثقافة الأوروبية وفي شتى ثقافات العالم... ويسلط المؤلف في كتابه “في نقد ما بعد الحداثة: “نيتشه والفلسفة” على جوانب الفكر المتيقض لنيتشه ونقده الحاد لظواهر عصره زيادة على تجاوزه أفكار الفلاسفة الذين تأثر بهم على غرار شوبنهاور وفاغنر. ويرجع المؤلف تميز نيتشه وشهرته أساسا إلى عدة أسباب منها أسلوب الاستعارة الذي اختاره للتعبير عن أفكاره كما يتسم فكره بشعرية خلابة تبدت علاماتها في كتابه “هكذا تكلم زرادشت” مما يولد “نشوة في أذن السامع بغض النظر عن محتواه وهو أيضا ردة فعل صائبة بمعنى ما ضد الاخلاق الوجدانية التي كرسها أولائك الذين يدعون “إلى ديانة العذاب الإنساني”.