«لانديجان» حسب احد القواميس الموسوعية الفرنسية اسم وصفة تطلق على سكان المستعمرات وتتخذ غالبا مدلولا تحقيريا وشحنة عنصرية، ويرد هذا التعريف المعجمي في إطار ما آلت عليه ايديولوجيا التفوق، وبصفة نسقية من رسم للصورة التي تبتغيها «للكائن العربي» صورة نمطية وأُنموذج، قد نستنكف منه ونرفضه وعيا، لكن هل يمكن الفكاك من حقوله الدلالية تعبيرا؟ ومن رواسبه النفسية والاجتماعية سلوكا؟ لقد بدأ تشكيل اللوحة في الاشتغال منذ الزمن الذي كان فيه التاجر والمرابي يتخفيان وراء المبشر، والسيد «جون الذي لا يملك أرضا» و»أصحاب الارجل السوداء» وراء بييسونال وماسينيون، ثم ترقت ملامح الشخصية الموضوع بكل صبر التقصي العلمي ومخاطر الاقامة الاستشراقية بين ظهراني كرم القبائل المتوحشة، من مشهد غارات السراسنة Sarrasins الى بداوة قطاع الطرق، حتى استقرت على سحنة «الآنديجان» التي يفيد تعريفها الحرفيّ بطرافة المعنى الزوولوجي Zoologique، فالانديجان بلسان الفرنجة هو من توفقت سياط الحضارة الغربية في ترويضه واستئناسه ليكتسب ثقافته «الأهلية» Lصindigénat كذا! إذن، مع تقدم البحث انبنى مفهوم «العربي الأهلي» ليحقق استبطانه بانغراسه في المخيال الجماعي لابناء البلد الذين باتوا لا يتحرجون في تخاطبهم اليومي من التندّر ب»الخبز العربي» و»المسلك العربي» و»الدواء العربي»... كعلامة على كل ما هو مختلف عن المدنية وآداب الاتيكات المستغربة. لم يدّخر شريكنا في الانسانية جهده الأكاديمي الموسوم بالتواضع والحياد، ليتفهم طبيعتنا وأصالة سلوكنا وردود أفعانا، فأسس علم الاعراق والاثنيات Ethnologie، وأردفه بعلم الاجتماع الانقسامي لينتهي الى علم الاناسة Antropologie، حيث وجد لنا أخيرا رائد هذا العلم ليفي شتراوس ركنا لمشروعية «فكرنا المتوحش» La pensé sauvage في مجال»مداراتنا الحزينة» Tristes Tropiques، وحتى «الرفيق ماركس» في تأملاته الجزائرية فانه لم يجد لنا من تجسير للتقدم غير الشر الذي لابد منه، الاستعمار. الاستعمار ولا شيء غيره يصلح ان يكون محررا للعرب من أنفسهم ومن الاصرار على الانتجاع في مضارب اللاتاريخ الاستعماري بكل مشتقاته، القديم والجديد، المتحجب والسافر، العنصري الخام والعولمي المكرر (Bis) فمن يجرؤ على الطعن في صدق نوايا العلوم الانسانية؟! يمكن للعربي ان يقتني من معارض الايديولوجيا الشمالية حلته المفضلة، الشيوعية، الاشتراكية، الليبرالية والقومية المشذبة، حتى يتظاهر بها في فعاليات الكرنفالات والمؤتمرات الأممية، لكن ليس عليه ان ينسى أنه «أنديجان»، ولان الانسان صنو للنسيان فقد ابتكر أوصياؤه تلقيح الاجتياح الاستباقي لتذكيره عند الحاجة بهويته كرهط مجبول على التأهيل. فمن هو «الانديجان» في خلاصة القول؟ ما هي المواصفات والخصال التي عليه ان ينشدها حتى يقتطع له مكانا تحت شمس التحرر البازغة من بحر الظلمات حتى شط العرب؟ العربي الأهلي اصطلاحا عبارة تتركب وجوبا من فونيمين (صوتين)، الدخيل اولا والمحلي ثانيا بدونهما لا يستقيم لها معنى ومثال ذلك، لورانس العرب، أما تداولا فهي تعني، الحركي، القومي، والعلقمي، انها الصورة الذهنية لانحناءة المترجم ورطانة رئيس العسس ووداعة عضو مجلس «الوي وي» oui-oui وخلّة الوشاية بالعشيرة تأمينا لتزويدها المنتظم إذا سمحت كمائن المقاومة بالاسلحة الفاسدة وقطع غيار مضخات النفط رمز «السيادة الجلبية»! وفي ما عدا ذلك يسقط الاسم العربي من قاموس لغة العصر السعيد ليتصدر قائمة الخارجين عن قانون الطوارئ والمطلوبين في نسخهم الاصلية والمنقحة تحت عديد الاسماء، فلاقة. مستبدين عرب مسلمين، وكلها مرادفات لما لا يجب ان تكون لكي تكون صالحا للحدائق البيئة ل»جوراسيك بارك». قرأت في كتاب دعائي أصفر تقادما، يحمل عنوان «JصETAIS UN FELLAGUA» (كنت فلاقا) صدر سنة 1954 في اطار حملة تشويه للثورة الجزائرية ما يلي: «كنت فلاقا، هذا التحقيق الميداني، قد بدأ وانتهى في الاجواء المرعبة لزنزانة محكوم عليه بالاعدام محمد لخضر وهو يكشف الغطاء عن الارهاب في شمال افريقيا، هذا ما افتتحت به التوطئة اما المتن فقد بدأ بالآتي... كان ينظر صامتا الى يديه السمراوين حيث تتعرج عروق شبيهة بالحبال... انهما يدا قاتل... وخارج الباب المقفل، تسمع الخطوات الثقيلة للقومي Goumier المكلف بالحراسة... (تحقيق ومذكرات آرثور شامسيل / منشورات الفكر الحديث، باريس 1954 ص: 12). ما أشبه اليوم بالبارحة! وما أفظع عندنا وأبسط عندهم أن لا يشاهد العربي الا وهو خادم او أسير مفرد لان كل جمع واجتماع واجماع للعرب محظور وميعادهم: عرس أو تظاهر مشبوه، لذلك فهو يُعدّ الهدف المفضل للرّش ببيض غربال الآباتشي.