حلت الشاعرة نجاة العدواني ضيفة على نادي «بيت القصيد» في بيت الشعر وكان ذلك مناسبة للاستمتاع بباقة من قصائدها حيث حرصت على قراءة مختارات من كل دواوينها تقريبا بدءا بديوان «في كل جرح زنبقة» (1984) ثم «جذور لسمائي» (1986) و»هديل روح من فولاذ» (1994) الذي لقبت على اثره بشاعرة الفولاذ أو شاعرة الحديد بفضل قصائدها الملتزمة في تلك المجموعة كما حرصت على اسماع الحاضرين مختارات من مجموعتين شعريتين ما زالتا في انتظار النشر وهما على التوالي «المرح الأسود» و»هذا يخجل جثتي». حين تستمع الى شعر نجاة العدواني تشعر حقيقة بالامتلاء لأن دلالاته هي من الكثافة بحيث تتجاوز حدود الزمان وقيود المكان لتبحث عن آفاق أرحب تختزل تجربة الإنسان عامة، فقد تحررت من المكان تقريبا واعتمدت على جملة من الرموز لطمس الزمن الموضوعي والانسياب في زمن مطلق. اذ هي تُراوح بين الرمز الأسطوري (عشتار) والرمز التاريخي (ولادة) والرمز الواقعي إن جاز ذلك الماجدات احالة على نساء العراق) والرمز الحديث (أراغون) وهكذا يصبح هاجس الشاعرة التعبير عن الانسان في كل زمان وفي كل مكان. اذ من ميزات تجربة نجاة العدواني الشعرية ذلك التمركز الشديد حول الذات حيث تتضخم هذه الذات الى درجة كبيرة، لكن الملفت للانتباه أن هذه الذات رغم جراحاتها وآلامها وصراعاتها يلتقي فيها الذاتي بالموضوعي لأنها تحمل في طياتها كل معاناة الآخر. فلا مجال في تجربتها لعواطف شخصية معزولة ملفوفة بترهات الخيالات والأوهام التي يكون منطلقها ومنتهاها الذات غير المتفاعلة مع هموم الواقع وقضاياه والمبدع الحقيقي في نظرها هو ذلك القادر على النبوءة، يتخيل مستقبل الأمة ويدفعها الى الحلم، وبالحلم يحصل التقدم لأن كل منجزات الإنسان بدأت بالأحلام وشطحات خيال المبدعين لذلك فالشعر عندها التزام لكن لها تصورا خاصا للالتزام، اذا ارتبط الشعر بقضية معينة يصبح الالتزام قيدا لأنه قد يجني على شعرية النص بتغليب المضامين والدلالات أما اذا كان هذا الالتزام مجرد تجربة من جملة تجارب فهو اضافة وميزة للمدونة الشعرية الخاصة بكل شاعر. أما في ما يخص الشعر الذي تكتبه فهي حريصة على ما تسميه «الأدب النسوي» بالمفهوم الايديولوجي للكلمة. تقول بالحرف الواحد «بدأت أكتب لأكون كرجل» وهكذا اتجهت كتاباتها الأولى إلى التماهي في الرجل لمواجهته بنفس أسلحته (القوة، الصلابة) ووصل التقليد عندها حد التغزل بالمرأة في شعرها. لكن بعد أن فرضت نفسها كشاعرة في مجتمع ذكوري سرعان ما تراجعت لتنكفىء على أنوثتها من جديد لأن في الأنوثة خصائص لكتابة قصيدة مميزة حتى أنها في سنة 1986 دعت لكتابة القصيدة النسوية بأن تنشغل الشاعرة بأنوثتها بكل مشاكلها وهمومها الخاصة وبما يحمله عالم الأنثى من جمال وتفاصيل خاصة لا أحد غير المرأة قادر على الغوص فيها فحتى نزار قباني لم يستطع أن يكتب المرأة بنقاوة أنوثتها لأنه حافظ على عين الرجل دون أن يشعر. هكذا تتحدد ملامح التجربة عند نجاة العدواني صحيح أنها انطلقت من القصيدة النسوية ومنها الى القصيدة الملتزمة لكنها في النهاية كسرت حدود الزمان والمكان لتعبر عن الانسان عامة في كل أحواله حتى لو كانت هذه الأحوال حزنا وألما وتشاؤما لأنه لا يمكن كتابة الفرح في زمن الأحزان : أنا المرأة النبوءة. أبقى معلقة في رموشي بانتظار من يقرع أجراس الفناء هو ذا الصدق في التجربة الإنسانية تصبح فيه الشاعرة مجرد مرآة للعالم يرى فيها الانسان حقيقته حدق في عيني وتأمل خرائب روحك هذه هي التجربة وتلك هي الشاعرة صوت مميز يحاول أن يصنع قراءته باثبات قدرة النص على التطور ونبذ الجمود لتصبح العالمية حلما مشروعا يرسم مدونة لمعاناة الإنسان في اللازمان واللامكان.