6 وفيات في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    القصرين: ارجاع التيار الكهربائي إلى كافة متساكني منطقة المريرة    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب هذه المنطقة..    على خلفية شكاية تقدم بها الزمالك: الفيفا يوقف حمدي النقاز عن النشاط    باجة : الحماية المدنية تتولى إخماد ثلاث حرائق بأراض فلاحية    تفاديا للكثافة المروريّة بالمدخل الجنوبي للعاصمة.. وزارة الداخلية توضح    9 ضحايا في حريق الع في مستشفى بإيران    جندوبة: اندلاع حريق في ضيعة فلاحية..    استئناف سفرات النقل العمومي نحو جرجيس وجربة    مستقبل سليمان: المطالبة باعتماد تقنية الفار .. وتعيين مباراة الباراج خارج اقليم تونس وولاية نابل    بطولة برلين للتنس: أنس جابر تستهل اليوم المشوار بمواجهة المصنفة 40 عالميا    %60 نسبة سداد الدين الخارجي.. تونس توفي بالتزاماتها تجاه الدائنين    رئيس بعثة الحج: وفيات وحالات ضياع في صفوف الحجيج التونسيين    ضربات شمس و إرهاق خلال الحج ..البعثة الصحية توضح    حالات وفاة وضياع في صفوف "الحجيج".. حاج تونسي يُوضّح..#خبر_عاجل    جريمة القيروان المروعة: تفاصيل جديدة..    الحماية المدنية: تسجيل 6 وفيات و286 إصابة في حوادث مختلفة    تصريح أثار جدلاً.. بسام كوسا يسخر من فيديو فاضح لممثلة سورية    إصدار أغنية جديدة : ريمكس عربي لأغنية Attraction ل Ramy Sabry و ETOLUBOV    عاجل/ تفاصيل جديدة عن وفاة "الأنستغراموز" فرح بالقاضي..    أبرز ما ورد في الصحف التونسية الصادرة اليوم الثلاثاء 18 جوان 2024    وزارة الصحة: بوابة إيفاكس ستشمل كل التلاقيح وستُمكّن المواطنين من الحصول على دفاتر علاج رقمية    توصيات وزارة الصحة لمجابهة ارتفاع درجات الحرارة    وزارة الصحة: بوابة 'إيفاكس' ستشمل كل التلاقيح وستُمكّن المواطنين من الحصول على دفاتر علاج رقمية    ملعب الشاذلي زويتن و أولمبي سوسة يحتضنان باراج الرابطة الأولى    شهداء ومصابون إثر قصف الاحتلال الصهيوني لمخيم "النصيرات" وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    هذا آخر ما قالته "الاستغراموز" فرح بالقاضي قبل وفاتها..    منها الأولوية.. 8 عادات تميز المرأة القوية عقلياً ونفسياً    مقتل 10 مهاجرين بعد غرق قارب في البحر المتوسط    الجامعة التونسية لكرة القدم تحدد يومي 17 اوت موعدا لانطلاق الموسم الرياضي 2024-2025    تونس : أنس جابر تغيب عن دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024    طقس الثلاثاء: درجات الحرارة تتراوح بين 34 و45 درجة مع ظهور الشهيلي    اليابان: تصاعد الدخان من محطة فوكوشيما النووية    علقوا مقلوبين بالهواء: لحظات تحبس الأنفاس بمدينة ملاهٍ أردنية    الاتحاد الفرنسي: مبابي يعاني من كسر في أنفه وسيرتدي قناعا    حقيقة وفاة الداعية المصري الشهير عمر عبد الكافي    صمود المقاومة يعمّق أزمة الاحتلال...حل مجلس الحرب الصهيوني    قرقنة .. وفاة حاج من منطقة العطايا بالبقاع المقدّسة    خصائص المدرسة الناجحة ...أثر تربية المرأة في تحقيق التنمية الشاملة    احباط 59 محاولة اجتياز للحدود البحرية وانقاذ 1806 نفرا وانتشال جثتين    بلاغ مروري بمناسبة إنتهاء عطلة عيد الأضحى    عدنان الشواشي : المنوّعات صنعت في وقت قياسيّ وغفلة ذوقيّة فيالق من أشباه "النّجوم" و"النّجيمات"    مدخرات تونس من العملة الصعبة تقدر ب107 ايام توريد منتصف جوان 2024    المرصد الوطني للفلاحة: نسبة امتلاء السدود لم تتجاوز 31،5 بالمائة    الفيلم التونسي "المابين" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان جنيف الدولي للأفلام الشرقية    وفاة الأنستغراموز فرح القاضي    نصائح وتوصيات وزارة الصحة لمجابهة موجة الحرارة    إستخدام الأواني المصنوعة من مادة البلاستيك يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة    سليانة.. تقدم موسم الحصاد بنسبة 45 بالمائة    حجاج بيت الله الحرام يستقبلون أول أيام التشريق    تنس – انس جابر تحافظ على مركزها العاشر عالميا وتواجه الصينية وانغ في مستهل مشوارها ببطولة برلين    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون آخر مناسك الحج    47 درجة مئوية في الظل.. الأرصاد السعودية تسجل أعلى درجة حرارة بالمشاعر المقدسة    صفاقس : "البازين بالقلاية".. عادة غذائية مقدسة غير أنها مهددة بالإندثار والعلم ينصح بتفاديها لما تسببه من أضرار صحية.    العلاقات الاندونيسية التونسية جسر تواصل من اجل ثقافة هادفة، محور ندوة بتونس العاصمة    الإنتاج الوطني للنفط الخام يتراجع في شهر افريل بنسبة 13 بالمائة (المرصد الوطني للطاقة والمناجم)    في ظل انتشار التسممات الغذائية في فصل الصيف، مختصة في التغذية تدعو الى اعتماد سلوك غذائي سليم    بن عروس/ 18 اتصالا حول وضعيات صحية للأضاحي في أوّل أيّام عيد الأضحى..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خميسيات آدم فتحي: من المنتصر: «المخرج» بول بريمر أم «السينمائي» مايكل مور
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

قبل مدّة نشرت واحدة من أبرز الصحف الآسيوية خبرا عن اكتشاف هيكل عظمي في العربية السعودية، طوله أكثر من ثلاثين مترا، مما لا صلة له بأي من الاكتشافات والنظريات الموثوقة حتى الآن، هذه الأيام تتحدث صحف عديدة عن انتقال العراق من مرحلة السيادة، وكأن بقاء أكثر من مائة وأربعين ألفا من الجنود الاجانب داخل العراق جزء من المظاهر السيادية. ومع صدور هذا المقال يكون الخبراء والنقاد قد اجتمعوا في لندن، في مؤتمر حقوق التأليف الشكسبيرية، للاستماع الى الامريكية روبين ويليامز وهي تنضاف الى قائمة القائلين بأن شكسبير «الحقيقي» كان امرأة اسمها سيدني هربرت او الكونتيسة بيمكبروك.
أخبار متلاحقة تختلف في الكثير لكنها تتفق في الاستهداف عقولنا، لكأننا أمام سباق غير منظور بين الشعوذة والاعلام وبين الشعوذة والسياسة وبين الشعودة والفكر والثقافة. لا يقول احدهم شيئا ولا يشير الى شيء الا وهو يريد اخفاء شيء او لفت الانظار عن شيء. فيما تتجه انظار العالم الى ما يحاك في العراق وما يغلي به مرجل الانتخابات الامريكية الوشيكة، يغفل الجميع عن حرب الابادة المتواصلة في فلسطين، ولا ينتبهون الى تدهور حقوق الانسان في شوارع «أكبر» ديمقراطيات الغرب. وقس على ذلك، لم يعد هدف الكثير من كبار العالم تغيير الواقع بحيث يكون مطابقا لما يريده الناس، بل صار هدفهم «إخراج» الواقع سينمائيا كي «يبدو» مطابقا لما يريده الناس. إنه تنافس آخر، أو سباق آخر، ولكن بين السينما والواقع هذه المرة.
لهذا السبب، ربما، أزعج مايكل مور الكثيرين في امريكا. اعتبروه صانع أهجيات لا أفلام، انكروا عليه استعمال «الخدع السينمائية» نفسها التي أقاموا عليها أسس المنعرج الكارثي الذي قادوا اليه العالم. حين تحدث عن تلاعب بالمعلومات وعن مصالح وتحالفات ولوبيات وعن قراءة مبيتة للاحداث، قالوا إنّه من أتباع «نظرية المؤامرة» التي أكل عليها الدهر وشرب. مسكينة «نظرية المؤامرة» انها «مأكولة ومذمومة». لم يفرط في نفيها أحد الا رأيته أفرط في تأكيدها كلما تعلق الامر بسيناريوه الخاص.
ومع ذلك فقد فاز «المخرج» مايكل مور على «المخرج» بول بريمر، أفلح الاول في عرض فيلمه في أكثر من 500 قاعة، وتصدر الفيلم قائمة أفضل الايرادات في الأيام الاولى لعرضه، وحصل على أكبر جوائز مهرجان كان، وبات صاحبه يستقبل كالنجوم في بلده وخارجها، بينما لم يجرؤ «المخرج» بول بريمر على عرض فيلمه (فيلم تسليم السلطة والسيادة) في الموعد المحدد، ولم يجرؤ على عرضه امام الجميع بل فضّل عرضا شبه سري، وعلى الرغم من «المؤلفة قلوبهم» فان الفيلم لم يحصل على أي جائزة باستثناء جائزة أسوأ خدعة سينمائية، ولم يستمتع مخرجه بما يستمتع به المخرجون عادة من «حمامات جماهيرية» بل سرعان ما قفل راجعا الى بلده وهو يتلفّت تحسبا من الأخطار.
ترى ماذا يمكن ان نستنتج من كلّ هذا؟ أشياء كثيرة من بينها أن العالم قد لا يحب الحقيقة لكنه يكره الكذب. قد يحبّ الخيال لكنه لا يكره الواقع. لذلك فهو يعشق السينما لكنه يمقت الغشّ. قد تكون الأسطورة أحيانا أجمل من الحقيقة التاريخية. الاسطورة او الخرافة تعبير عن انتظارات الجماعة وهي من ثم «حقيقية» من زاوية ما. تمنيت مثلا ان يكون خبر الهيكل العظمى في السعودية صحيحا وليس خدعة بواسطة «الفوتوشوب». تمنيت أن يكون العراقيون قد استرجعوا سيادتهم فعلا. تمنيت ان نكتشف فجأة ان شكسبير امرأة تدعى سيدني. من الممتع ان نتخيل سحنات اولئك «المحنطين» في عقلانيتهم وقد اسقط في أيديهم وباتوا مجبرين على مراجعة الكثير من وثوقيتهم الجرداء امام «عفسة ابراهيم» وخرافة الرجل ذي القدمين الكبيرتين «Big feet» وساقي هرقل وغيرها من الحكايات المجنحة لكن الامر يختلف حين يكون مغالطة مقصودة وتلاعبا بالمعلومة وخيانة للميثاق الذي يجمع بين المواطن من جهة، ورجل الاعلام او السياسة او الفكر من الجهة الاخرى.
في مجلة نيوزويك (العدد 211) يورد روبرت صامويلسون العديد من الارقام المزعجة التي تثبت ان نسبة ثقة الامريكيين في صحافتهم من حيث الصدقية والاخلاقية قد انخفضت بمقدار الثلثين خلال السنوات العشرين الأخيرة. الشرخ نفسه يفصل بين الجمهور ومفكري البلد وصناع القرار فيه، واذا حدث هذا في «أكبر» ديمقراطية في العالم فماذا عن الضواحي والجوار؟
تلك نتيجة التلاعب بالمرجعيات والقيم. لكن الامل يظل دائما حيا بفضل الفن. قد يتحول كل شيء الى سينما، وقد تختصر السينما في تزييف الواقع، عندئذ، يظهر امثال مايكل مور، مهما اختلفنا معهم، كي يعيدوا السينما الى الفن، وكي يجعلوا الواقع يثأر من السينما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.