كانت ولازالت ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المعظم تحظى باهتمام كبير لدى التونسيين نظرا لما تمثله من قيمة دينية واجتماعية هامة فهي الليلة «الفضيلة» كما يحلو للناس تسميتها وهي ليلة القدر التي تفتح فيها أبواب العرش وتستجاب فيها الدعوات وهي ليلة مباركة يستحب خلالها القيام بكل الأعمال الهامة وذات قيمة. وعموما فان العادات والتقاليد التي تميز هذه الليلة أي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان أيام زمان لم تختلف كثيرا عما هو موجود اليوم فقد حافظ الجميع عليها إلا في ما يتعلق ببعض التفاصيل الاجتماعية مثل الأسواق ونوعية الملابس والقيام بجل الأعمال في المنزل. وعن هذه العادات يقول الباحث محمود زبيس: من العادات الاجتماعية والدينية المتوارثة والتي حافظت عليها الأجيال من المسلمين كختم القرآن بالمساجد والجوامع واختتام صلوات القيام (التراويح). ويقوم البعض الآخر في الزوايا والأماكن الدينية الأخرى بأداء المدائح والأذكار المتمثلة في حلقات «السلاميات». وبالتوازي مع النشاط الديني التي تحتضنه هذه الزوايا نجد أنشطة اجتماعية أخرى تتمثل بالأساس في إقامة حفلات ختان جماعية لأبناء العائلات الفقيرة وتقام الولائم على شرف الحاضرين من رجال الدين والناس العاديين من أقارب الأطفال الذين وقع ختانهم ليلة السابع والعشرين من شهر الصوم. وتمتد مظاهر الفرح والاستبشار والتبر ك بهذه الليلة (ليلة القدر) إلى المنازل والدور أين تتجمع نساء العائلة الواحدة أي الأقارب أو الجيران والأحباب لإتمام ما لم يتم إتمامه من إعداد حلويات العيد وخياطة ملابس الأطفال والنساء . ويكون هذا التجمع بهدف التعاون على إنجاز هذه الأعمال وتفادي غصرة العيد. كما نجد أيضا تجمعات نسائية من نوع آخر يفرضها طقس اجتماعي آخر وهو «الموسم» وهو عبارة عن موعد وزيارة تقوم بها عائلة الخطيب إلى منزل عائلة الخطيبة تحمل خلالها النساء هدايا متنوعة ومختلفة للخطيبة وتقام سهرات عائلية بهذه المناسبة. هذه التجمعات النسائية الرمضانية كانت تتم في إطار احتفالي حيث تحضر المأكولات الشهية والحلويات وأحيانا الرقص والغناء وجميع مظاهر الفرح. وقبل السهرة نجد عادة اجتماعية أخرى لها أهميتها في النواميس الاجتماعية التونسية خلال الفترة الممتدة بين الثلاثينات والخمسينات من القرن الماضي وهي عادة إخراج «عشاء الموتى» المتمثل في أكلة «الكسكسي بالعلوش» التي تتصدق بها العائلات الميسورة والمتوسطة الحال على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل. وفي المنازل وخلال ليلة السابع والعشرين من الشهر الكريم تقام حفلات ختان الأطفال ويحدث ذلك في شكل احتفالي كبير خاصة إذا كانت العائلة ميسورة ومن علية القوم والأعيان. وتمتد فضائل ليلة القدر إلى الأسواق فتنشط الحركية التجارية ويكثر البيع والشراء ويخرج الآباء إلى الأسواق صحبة الأبناء من الأطفال الصغار لشراء الملابس والأحذية . وتكون هذه الحركية التجارية كثيفة بالأسواق التقليدية بصفة خاصة كسوق العطارين وسوق الشواشين وسوق الفكة وسوق البلغاجية وسوق السرايرية المشهور ببيع حلويات الشاوش والقطايف البيضاء والصفراء «المشحرة» وغير «المشحرة». واذكر أيضا أن شراء ملابس العيد لم يكن حكرا على الأطفال والمقبلات على الزواج فقط بل يشمل النساء المسنات. فقد كان الرجل يحرص على إدخال الفرحة على قلب والدته المسنة كما يفعل مع أبنائه الصغار وكان يهديها الملابس المتمثلة بالأساس في الفوطة والسفساري والتقريطة والقبقاب.