أجواء رائعة ومتميزة شهدتها مدينة القيروان مساء الجمعة وإلى مطلع فجر يوم السبت. وهي الليلة الموافقة ل27 رمضان. والتي تصادف حسب العارفين ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. فيها الخير والبركة والفرحة. ليلة السابع والعشرين وهي ليلة غراء خير ما في ليالي رمضان ورد في القرآن الكريم أنها «خير من ألف شهر». ولما كانت على ذلك القدر من المكانة الروحية فإن لأهل مدينة القيروان عادات وطقوسا في الاحتفاء بها والتماس فضلها بالعبادات والتضرع والابتهال. ويقدرونها حق قدرها. وخصوصا بعد ثورة الحرية وتحرر المساجد والأسواق وتحرر العادات والعبادات. حيث ترافق الأعمال الروحية والعبادات، عادات اجتماعية وتجارية تجعل من هذه الليلة مناسبة فارقة للبهجة والفرحة والتزاور والتبرك على عتبات مقام ابي زمعة البلوي والخلاصة ان هذه الليلة كلها هبات وغفران ورزق وفير وعبادة حتى الفجر. ويطبخ في هذه الليلة الكسكسي والملوخية ويتم اعداد الحلويات. وتفتح البيوت للزيارات. ويخرج الصبيان والفتيات إلى وسط المدينة وتتحرر الحركة وتعلو أصوات الفرحة وصخب البهجة. إلى مزار السيد الصحبي ومن أهم العادات القيروانية في مثل هذه الليلة هو اعمار المساجد وتلاوة القرآن واختيار أجمل الأصوات للتلاوة وإتمام ختم القرآن الكريم واجتماع مئات المصلين في صحن جامع عقبة للصلاة وبقية جوامع مدينة القيروان التي يوجد فيها أكثر من 300 مسجد. وفود الزائرين على القيروان رابعة الثلاث شدت الرحال منذ بعد إفطار يوم الجمعة. جاؤوا في سياراتهم وفي حافلات اكتروها خصيصا للزيارة من اجل جمع اكبر عدد ممكن من المحظوظين للفوز بهذه الزيارة. فيشدون الرحال أولا إلى مقام الصحابي الجليل أبي زمعة البلوي. منهم من يأتي للزيارة ومنهم من جاء لختان ابنه. وذكر أنه تم ختان ما يقارب 50 غلاما. ولقد شهد ضريح السيد الصحبي مشاهد فلكلورية متنوعة وممتعة. حيث حضر الناس من كل مكان. واجتمعت العادات في صعيد واحد يجمع بينها الفرحة والبهجة ورائحة البخور والزغاريد. أسواق عامرة وقد شهدت شوارع المدينة حركية تجارية كبرى إلى مطلع الفجر. وجديد هذه الليلة الغراء في القيروان هو عودة ما يسمى سوق العيد إلى مكانه الطبيعي بسوق المدينة العتيقة وبساحة باب الجلادين. وشهدت السوق اكتظاظا مخيفا وحركية كبرى اعادت إلى المدينة بهجتها ورونقها. حيث تجمع الناس قادمين من كل ضواحي المدينة ليشهدوا مناسكهم وليقتنوا حاجياتهم. خصوصا مع تزامن الايام التجارية وعروض التخفيضات. وقد فتحت محلات جديدة لبيع الملابس والاحذية والهدايا لتجد نصيبها من الحرفاء. فيقتني الأطفال الحلوى واللعب وتقتني الفتيات الملابس وما يبدين به زينتهن ويبتاع الشبان الأحذية والعطور ويتهالكون على المقاهي. ويتدافع الناس في الأسواق مثنى وثلاث ورباع لاقتناء الهدايا وجهاز العروس كما تزدهر محلات «الحلاقة» أو ما يعرف ب«الحجام» لحلاقة الشعر وتهذيب اللحي استعدادا للعيد بمظهر لائق أو لزينة شاب يستعد لزيارة أصهاره وخطيبته محملا بالهدية أو «الموسم». أو ضيف قادم من مدينة مجاورة. أو شاب يعتزم عقد القران أو الخطبة التي تسمى «فاتحة». وتعد ليلة ال27 من رمضان ليلة موعد «الموسم» التي لا تنازل عنها. فيقتني الخطيب بعض الأواني البلورية والنحاسية والحلويات والملابس(ما عدا الأحذية) لخطيبته. أو يخرج الخطيبان برفقة والدتها لاقتناء الذهب استعدادا للزفاف. كما يحسن ان تعقد عقود الزواج في هذه الليلة المباركة وتنشط الخطبات. مساجد لا تهجع وبالتوازي مع الحركية التي تشهدها الشوارع والأسواق، تلبس المساجد حلة مزينة من المصلين في ملابس يغلب عليها اللون الأبيض البهيج. فتتراص الصفوف وتتزاحم الأقدام في الدخول إلى المساجد التي شهدت حضورا كبيرا. ويعبر عن عدد الحضور السيارات الرابضة في الخارج والدراجات والحافلات. مشيرة إلى حضور العائلات. وجامع عقبة الذي تحرر بعد الثورة استقبل ليلة ال27 الحالي عددا من المصلين لم يشهده من قبل حيث امتلأت بيت الصلاة والصحن بالنساء والرجال والأطفال. بل إن بعض النسوة لم يجدن موطئ قدم فنشرن السجادات عند مدخل الجامع. وتواصل هذا الاقبال على المساجد منذ صلاة التراويح إلى حين صلاة التهجد. بينما ظلت بعض العائلات في محيط الجامع تنتظر وتتأمل وقد نصبوا خوانا للأكل. وحدث ولا حرج عن المقاهي في هذه الليلة حتى تحسب أنه لم يبق أي رجل في المنزل. فقد تمططت أرصفة المقاهي يمنة ويسرة واحتل بعضها الطريق بعد الرصيف وعلا صوت النرجيلة والدق على الطاولة من لعب الورق وتعالت أصوات النقاشات تفتح ملفات السياسة بلا خشية أو تردد... إنها الحرية.