الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    إلى أين نحن سائرون؟…الازهر التونسي    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى صبرا وشاتيلا: «الهولوكوست» الفلسطيني... المنسي!!
نشر في الشروق يوم 17 - 09 - 2009

تحلّ هذه الأيام الذكرى 27 لمجزرة صبرا وشاتيلا فيما لايزال الشعب الفلسطيني يعيش على وقع مجازر مستمرّة تكاد لا تتوقف وكأن الدم الفلسطيني النازف بغزّة في العدوان الأخير وقبله في جنين وقبلها في دير ياسين والحرم الإبراهيمي ليس كافيا في نظر الغرب للجم هذا الجنون الصهيوني المنفلت من عقاله...
ذكرى صبرا وشاتيلا تأتي هذا العام في ظلّ صعود حكومة صهيونية يمينية متطرفة لا تتردّد في التأكيد علنا على تمسكها بنهجها العدواني وبرفض أية محاولة للتسوية... كما تحلّ هذه الذكرى وسط انقسام فلسطيني وتراجع كبير في المشروع الوطني الفلسطيني الأمر الذي يثير العديد من نقاط الاستفهام حول مستقبل القضية الفلسطينية...
مجزرة صبرا وشاتيلا هي إذن شاهدة على فظاعات الصهاينة وعلى سلوكهم الدموي ولكنها في الوقت نفسه مناسبة أليمة تستوجب من الفلسطينيين التوقف عندها مليا لتوحيد الصف الوطني ولانقاذ المشروع الفلسطيني من خطر الانهيار والتصفية...
«الشروق» تخصص ملفا للغرض تستذكر فيه هذه المجزرة البشعة ونسلط فيه الضوء على الوضع الفلسطيني الراهن في هذه المناسبة.
إعداد: النوري الصّل
قدورة فارس ل «الشروق»:
مجزرة «صبرا وشاتيلا» شاهد على عنصرية الصهاينة وعلى تواطؤ الغرب وعجز العرب
تونس الشروق:
حذّر القيادي الفتحاوي البارز والمسؤول عن الاسرى الفلسطينيين السيد قدورة فارس في حديث ل«الشروق» عبر الهاتف من رام ا& من مجازر جديدة لا تقل في فظاعتها عن مجزرة صبرا وشاتيلا قد يقدم عليها المستوطنون الصهاينة.
السيد قدورة فارس أكد ان الصمت الدولي والعربي شجع الكيان الاسرائيلي على تصعيد اعتداءاته وعلى تدمير استحقاقات التسوية.
وفي ما يلي هذا الحديث.
ماذا تعني بالنسبة إليكم ذكرى صبرا وشاتيلا... وكيف يلوح لكم الوضع الفلسطيني في هذه المناسبة الأليمة؟
هي في الواقع ذكرى أليمة تنضاف الى ذكريات أخرى مؤلمة عاشها الشعب الفلسطيني في داخل الوطن وفي المخيمات منذ اغتصاب أرضه على مرأى ومسمع العالم كلّه... فهذه الجريمة التي نفذتها قوات الاحتلال الاسرائيلي لم يتحرك العالم إزاءها الأمر الذي شجع إسرائيل اليوم على المضي قدما في ترسيخ نفسها كدولة عنصرية معتدية ووجدت في هذا الصمت الدولي والعربي بمثابة ضوء أخضر للتمادي في سياساتها العدوانية من خلال فرض الاستيطان وإطلاق العنان لقطعان المستوطنين لارتكاب مجازر رهيبة بحق الشعب الفلسطيني... فاليوم يمارس المستوطنون الأسلوب الوحشي نفسه واعتداءاتهم تتصاعد يوما بعد يوم وفي كل زاوية ومكان من أرضنا يعبثون ويخربون ويروّعون الأهالي بتواطؤ مفضوح من جانب الحكومة اليمينية المتصهينة برئاسة بنيامين نتانياهو.
أصدرت لجنة أممية أمس تقريرا تتهم فيه إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال عدوان غزة.. هل تتوقعون أن يكون لهذا التقرير «مفعوله» وصداه لدى المجتمع الدولي خاصة بعدما تمت تبرئة مجرمي الحرب الصهاينة من مجازر عديدة سابقة على غرار مجزرة صبرا وشاتيلا التي برأ فيها القضاء البلجيكي شارون؟
نأمل في الواقع في أن يتعامل العالم بجدية مع هذا التقرير الذي يدين الاحتلال الاسرائيلي بارتكاب جرائم حرب.. والذي يعطي دليلا واضحا على أن اسرائيل ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان خلال عدوانها على غزة وهو ما يستدعي من المجتمع الدولي محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة وتقديمهم إلى العدالة.. وأملنا كبير هذه المرّة في ألا يكرّر العالم سابقة «صبرا وشاتيلا» ويبرئ المجرمين من جريمتهم النكراء مثلما حدث مع شارون حين أسقط القضاء البلجيكي الدعاوى التي قدمتها عائلات ضحايا مجزرة «صبرا وشاتيلا» ضده وحين ادعى وقتها أن الملف غير مكتمل.
هل نفهم من كلامكم أن «سلاح» المراهنة على المجتمع الدولي لا يزال قادرا على إنصاف الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية؟
نحن لا نراهن على المجتمع الدولي فهذا المجتمع الدولي لدينا تجارب مريرة معه.. نحن نراهن اليوم على أنفسنا وعلى مواصلة مسيرة الكفاح والمقاومة من أجل استعادة حقوقنا في مواجهة ما تقوم به إسرائيل من قمع وتنكيل بالشعب الفلسطيني بهدف دفعه إلى الاستسلام.. اليوم علينا أن نحشد كل طاقتنا لمقاومة الاحتلال وأن ننهي حالة الانقسام التي أضرت كثيرا بمشروعنا الوطني وشجعت الكيان الاسرائيلي على مواصلة قهر الشعب الفلسطيني..
بالمناسبة
الذكرى... والذاكرة...
تونس (الشروق)
تمرّ اليوم الذكرى ال27 لواحدة من أبشع المجازر في تاريخ البشرية.. مجزرة لم يستطع غبار الزمن إخفاءها ولم يستطع التاريخ طمس معالمها.. رغم الجرح النازف.. جرح شعب مازال يجمع أشلاءه.. وجرح أرض مازالت تئنّ وتصرخ.. في دير ياسين.. في كفر قاسم.. في نعلين.. في جنين.. في كل شبر من فلسطين.. السادس عشر من سبتمبر من عام 1982 لا يزال ماثلا في ذاكرة كل فلسطيني رغم «وجع» هذه الذكرى ورغم شريطها الملبّد بالنكبات والنكسات والمجازر..
في مثل هذا اليوم مارس شارون وجنوده أبشع المجازر بحق أهل مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان فقتل الآلاف بدم بارد وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها في جريمة كان فيها التعطش لسفك الدماء «سيد الموقف» وفي صفحة قذرة من صفحات الظلم والبطش اللذين مارسهما الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.. أطفال في عمر الزهور وجدوا غارقين في دمائهم.. حوامل بُقرت بطونهن.. نساء اغتصبن وقتلن.. شيوخ ذبحوا.. نشروا الرعب في ربوع «صبرا وشاتيلا» وتركوا ذكرى سوداء.. وألما لا يمحوه مرور الأعوام ولا الأعوام من نفوس من نجا من أبناء المخيمين.
هكذا هو تاريخ اسرائيل أسود.. ملطخ بالدم.. حافل بالمجازر والمذابح الدموية البشعة.. فمجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن الجريمة الصهيونية الأولى.. كما أنها لم تكن الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني لأن مسلسل المجازر الصهيونية لم ينته ولم يتوقف لحظة منذ اغتصاب فلسطين.. فمن شارون سفاح «صبرا وشاتيلا» الى نتنياهو الذي يتحدى العالم ويصرّ على التمادي في جرائمه وفي سياساته العدوانية تبدو المجزرة متواصلة بل ومتصاعدة.. بأشكال عديدة.. مادام الجلاد فوق القانون.. في ظلّ التواطؤ الدولي المفضوح.. والعجز العربي غير المسبوق..
27 عاما مضت اليوم على ذكرى صبرا وشاتيلا.. وقد أصبحت حقوق الشعب الفلسطيني مهددة بالتصفية.. بعد أن راهن البعض على وضعها في «المزاد».. لكن عزاء الشعب الفلسطيني الصبر والصمود رغم انحياز الغرب وضعف العرب وبطش الجلاد.
ناجون من المجزرة يروون :
ما حدث في «صبرا وشاتيلا» يشبه «يوم القيامة»
تونس الشروق :
في مساء اليوم السادس عشر من سبتمبر عام 1982 اي قبل 27 عاما استيقظ لاجئو مخيمي صبرا وشاتيلا على واحدة من أكثر الفصول الدموية في تاريخ الشعب الفلسطيني الصادم بل واحدة من صفحات الظلم والبطش والارهاب ضد الفلسطينيين.
في ما يلي شهادات توثّق فظاعات الصهاينة المقرفة في صبرا وشاتيلا وتروي جوانب من المأساة الدامية التي لا يزال هذان المخيمات شاهدين على أطوارها.
«رأيت عشرات الجثث أمام الملجإ القريب من بيتنا.. ظننت في البداية ان القصف قضى عليهم.. لم ننم تلك الليلة وكان الحذر يلف المخيم»... هذا ما رواه ماهر مرعي أحد الناحبين من مجزرة صبرا وشاتيلا وهو يصف ما حدث ليلة السادس عشر من سبتمبر 1982.
جثث بالجملة
ويضيف «رأيت الجثث أمام الملجإ مربوطة بالحبال لكنني لم أفهم.. عدت الى البيت لأخبر عائلتي... لم يخطر في بالنا انها مجزرة... فنحن لم نسمع اطلاق رصاص... أذكر أنني رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثة هنا وهناك... ولكنني لم أدرك سبب وجودها بعد انتهاء المجزرة.
وتابع روايته متذكرا «ظننا أنا ووالدي ان المحل كان مكتظا فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والاطفال بالمنزل فماتوا بالقصف... لقد كان المشهد لا يوصف عندما دخل الاسرائيليون الى بيروت الغربية... كنا نعقتد ان أقصى ما يمكن ان يفعلوه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا.. كما فعلوا في صور وصيدا وباقي الاراضي التي احتلّوها...»
وأضاف «كانت الطرقات المؤدية الى المخيم جميعها مقطوعة وكان الاسرائيليون يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبي... وعند تقاطع المدخل وبئر حسن رأيت اسرائيليا يقتل فتاتين لأنهما وبّختا فلسطينيا أرشد الاسرائيلي الى الطريق التي هرب منها أحد الذين يطاردونهم».
وتابع روايته «حاول بعدها أهل المخيم سحب الفتاتين فقتل رجلان وهما يحملان جثتيهما... قنصهما الاسرائيليون من السفارة ثم ما لبث أهل المخيم ان سحبوهما بالحبال... يومها رأيت آرييل شارون في هيليكوبتر أمام السفارة أحسست أنه قائد اسرائيلي كبير لم أكن أعرف من هو الا بعد ان رأيته على شاشات التلفزيون بعد انتشار اخبار المجزرة».
وأضاف قائلا «تمكّنا بعد ذلك من العودة الى المخيم في المساء كانت القذائف المضيئة تملأ سماء المخيم»... هنا بدأ صوت ماهر يرتجف عندما بدأ يتحدث عما حصل في بيتهم تلك الليلة...
وقال ماهر عندما أخبرت والدي عن الجثث طلب منا ان نلزم الهدوء وألا نصدر اي صوت... تتألف عائلتنا من 12 شخصا.. لكن مع ساعات الفجر الاولى بدأنا نسمع طرقا عنيفا على الباب وعندما فتحنا لهم أخذوا يشتموننا وأخرجونا من البيت ووضعونا صفا أمام الحائط.. ثم طلبوا من والدي بطاقة هوية... وما ان أدار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعا كالمطر...لم أعرف كيف وصلت الى المرحاض واختبأت فيه وفي طريقي الى المرحاض وجدت أخي الأصغر اسماعيل فأخذته معي وأغلقت فمه.. رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتي مرمية على الارض ما عدا أختي الصغيرة كانت تصرخ وتحبو باتجاه أمي وأختي وما أن وصلت بينهما حتى أطلقوا على رأسها الرصاص فتطاير دماغها وماتت.
فظاعات رهيبة
وروى ماهر كيف انه كان شاهدا على جرائم وحشية ومقرفة تعرض لها جيرانه واصفا ما جرى ب«يوم القيامة» ومشيرا الى ان الدم كان يسيل كالماء على عتبات المنازل...
كما أشار الى ان الجنود الصهاينة بقروا بطن جارته الحبلى... فاستشهدت على الفور.
من جانبها روت أم غازي جانبا من فصول المذبحة، مشيرة الى انها فقدت 11 شخصا من أفراد عائلتها.
وقالت: «عندما جاء المجرمون الى بيتي كنا نقيم أربعينية ابنتي التي كانت قد توفيت في المبنى الذي قصفه الاسرائيليون في منطقة الصنائع التي كانت مقرا لأبي عمار.
وأضافت لقد جاء أفراد عائلتنا من صور للمشاركة في أربعينية ابنتي وكانوا جميعا هنا نساء ورجالا...لم نكن نسكن في هذا البيت بل في الحي الغربي المتاخم لشارع المخيم الرئيسي... كان يوم جمعة.. كان الباب مفتوحا وكان البيت مزدحما بالنساء والاطفال والرجال... فصلوا الرجال عن النساء والاطفال... كانوا سيأخذون ابني محمود وكان يومها في الثامنة من عمره.. فقلت لهم هذه بنت فتركوه».
وتابعت «بعدها اقتاد أربعة منهم النساء والاطفال باتجاه المدينة الرياضية وبقي الرجال في البيت تحت رحمة الآخرين... أخرجونا من المنزل حفاة، مشينا على الزجاج المحطم والشظايا... وفي الطريق تعثر ابني بالجثث، المذبوحة والمرمية هنا وهناك وكان يحمل أخته الصغيرة»...
محمد أبو ردينة كان في الخامسة من عمره عندما وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا قتل يومها والده وأخته وصهره.
وروى محمد حادثة قتل أخته قائلا: «كانت حاملا عندما قتلوها وبقروا بطنها وفتحوه بالسكاكين وأخرجوا الجنين منه ثم وضعوه على يدها».
وأكد محمد ان المجزرة غيرت مجرى حياته ودمّرته واصفا ما حدث في تلك الايام بالجحيم الذي لا ينسى.
«السّفاح شارون... مرّ من هنا»
تونس (الشروق)
وقعت مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا بين 16 و18 سبتمبر 1982، بعد أن سمحت قوات الجيش الإسرائيلي المسماة «قوات الدفاع الإسرائيلي» التي كانت تحتل بيروت آنذاك تحت القيادة العامة لأرييل شارون بصفته وزير الدفاع لأفراد ميليشيا «الكتائب» بدخول المخيمين؛ وأغلب الظن أن الحصيلة الدقيقة للقتلى من المدنيين الذين أزهقت أرواحهم في هذه المجزرة لن تُعرف أبداً؛ فتقديرات المخابرات العسكرية الإسرائيلية تشير إلى أن ما يتراوح بين 700 و800 شخص قد قُتلوا في صبرا وشاتيلا أثناء المجزرة التي استغرقت اثنتين وستين ساعة، بينما قالت مصادر فلسطينية وغيرها إن عدد القتلى بلغ عدة آلاف. من بينهم الأطفال والنساء (بما في ذلك الحوامل) والشيوخ؛ ومُثِّل ببعضهم أشنع تمثيل، ونُزعت أحشاؤهم قبل أو بعد قتلهم. كما ذكر الصحفيون الذي وصلوا إلى الموقع إثر المجزرة أنهم شاهدوا أدلة على عمليات إعدام فوري للشبان.
وتؤكد كل الروايات أن بضعا من مرتكبي هذه المجزرة الغاشمة هم من أعضاء ميليشيا الكتائب، وهي قوة لبنانية ظلت إسرائيل تسلحها وتتحالف تحالفاً وثيقاً معها منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975. ولكن تجدر الإشارة إلى أن أعمال القتل ارتكبت في منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، الذي أنشأ مركزاً أمامياً للقيادة على سطح مبنى متعدد الطوابق يقع على بعد 200 متر جنوب غربي مخيم شاتيلا.
تحقيقات!!...
في فيفري 1983، أوردت لجنة التحقيق الإسرائيلية المكلفة بالتحقيق في الأحداث التي وقعت في مخيمي صبرا وشاتيلا، وهي لجنة مستقلة تتألف من ثلاثة أعضاء وتعرف باسم «لجنة كاهان» أوردت اسم وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أرييل شارون في نتائج تحقيقها باعتباره أحد الأفراد الذين «يتحملون مسؤولية شخصية» عن مجزرة صبرا وشاتيلا. وصاحب قرار السماح لميليشيا الكتائب بدخول المخيمين
تناول تقرير لجنة كاهان بالتفصيل الدور المباشر الذي قام به وزير الدفاع السابق أرييل شارون في السماح لأفراد ميليشيا الكتائب بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا؛ فقد شهد الجنرال رفائيل إيتان، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك، على سبيل المثال، بأن دخول ميليشيا الكتائب المخيمين تم بناءً على اتفاق بينه وبين وزير الدفاع السابق أرييل شارون. وفي وقت لاحق توجه شارون إلى المقر الرئيسي لميليشيا الكتائب حيث التقى بعدة أشخاص، من بينهم بعض قادة الكتائب. وأصدر مكتب وزير الدفاع السابق أرييل شارون وثيقة تتضمن «تلخيص وزير الدفاع لأحداث الخامس عشر من سبتمبر 1982»، جاءت فيها عبارة تقول: «لتنفيذ عملية المخيمين يجب إرسال ميليشيا الكتائب»؛ كما ذكرت هذه الوثيقة أن «قوات الدفاع الإسرائيلي سوف تتولى قيادة القوات في المنطقة».
استخفاف... «شاروني»
وفي ما يتعلق بما زعمه وزير الدفاع السابق أرييل شارون في شهادته أمام لجنة التحقيق من أن «أحداً لم يكن يتصور أن ميليشيا الكتائب سوف ترتكب مجزرة في المخيمين»، خلصت لجنة كاهان إلى أنه «من المستحيل تبرير هذا الاستخفاف بخطر وقوع مجزرة»، لأن «المرء لم يكن بحاجة إلى قدرة خارقة على التنبؤ لكي يدرك أن ثمة خطراً حقيقياً لوقوع أعمال القتل، عندما دخل أفراد ميليشيا الكتائب المخيمين دون أن تصحبهم قوات الدفاع [الجيش] الإسرائيلي». بل إن اللجنة ذهبت إلى أبعد من ذلك إذ قالت: «نحن نرى أن أي شخص له صلة بالأحداث في لبنان كان لا بد أن تساوره مخاوف من وقوع مجزرة في المخيمين، إن العلم بأن قوات الكتائب سوف تدخلهما دون أن تتولى قوات الدفاع الإسرائيلي الإشراف والرقابة عليها بصورة حقيقية وفعالة... وتُضاف إلى هذه الخلفية من العداء الذي تضمره الكتائب للفلسطينيين [في المخيمين]، الصدمة العميقة [لوفاة بشير الجميل مؤخراً]...».
كما خلصت لجنة كاهان إلى أنه: «إذا كان وزير الدفاع لا يظن في واقع الأمر، حين قرر دخول ميليشيا الكتائب إلى المخيمين دون مشاركة قوات الدفاع الإسرائيلي في العملية، أن قراره هذا سوف يؤدي إلى مثل هذه الكارثة التي وقعت، فإن التفسير الوحيد لهذا هو أنه قد تجاهل أي بواعث قلق بشأن ما يُتوقَّع حدوثه لأن المزايا... المراد تحقيقها من وراء دخول الكتائب إلى المخيمين صرفته عن تدبر الأمر كما ينبغي في هذه الحالة».
وأوضحت اللجنة أنه «إذا كان القرار قد اتُّخذ عن علم بأنه ثمة خطراً محتملاً لأن يتعرض سكان [المخيمين] للأذى [من جراء ذلك]، فهناك التزام قائم باعتماد التدابير التي تضمن الإشراف الفعال والمستمر من جانب قوات الدفاع الإسرائيلي متهمة شارون بارتكاب خطإ جسيم في هذا الصدد.
عمير دعنا:
رحلة كفاح على أبواب القدس
كتبت ميسة ابو غزالة
القدس المحتلة:
قبل أن تشرق شمس الصباح على أسوار مدينة القدس القديمة يبدأ المواطن الثمانيني عمير دعنا «أبو سلام» في أشهر بسطة لبيع الصحف والمجلات في باب العامود يومه باستلام وترتيب الصحف اليومية ومطالعة أخبارها.
صيفا و شتاء ومنذ خمسين عاما يفتح أبو سلام بسطته أمام القراء والمتابعين..أخبار سياسية اقتصادية رياضية وفنية يستطيع أبو سلام أن يتحدث بها حتى يخيل لك أنك تتحدث إلى رجل سياسي مثقف أو إلى رجل تاريخ يعتبر شاهدا على العصر المقدسي الحديث منذ أيام الانتداب البريطاني مرورا بالحكم الأردني ووصولا إلى الاحتلال الإسرائيلي.
أبو سلام الذي اضطر إلى العمل في صباه بسبب اعتقال والده وإخوته في ثورة العام 1936 ضد الانجليز لم يتمكن من دخول المدرسة، لكنه استطاع أن ينمي نفسه ويتعلم القراءة والكتابة ذاتيا، وتنوعت حياته بين التجول ببيع الصحف والالتحاق بالجيش الأردني ثم بالحزب الشيوعي والعمل السياسي وحياة الاعتقال وصولا إلى الاستقرار في تلك البسطة.
ويذكر أبو سلام الفترة العصيبة الماضية: كان عمري ست سنوات حين اعتقل أشقائي الثلاثة ووالدي ولم يعد هناك معيل للأسرة، فاضطررت أنا وشقيقي البحث عن عمل، وفي إحدى شوارع مدينة القدس «مأمن الله» وجدنا صديق والدي «موزع صحف»فطلبنا منه جرائد للبيع وبعد أن عرف هويتنا أعطانا خمسة أعداد لكل واحد منا، ويومها تم بيع النسخ وربحت خمسة مليمات وتمكنت من شراء الخبز والبيض للعائلة ومن هنا كانت بداية العمل كبائع للصحف.
تعلم القراءة في المقاهي
بداية تعلمه للقراءة والكتابة كانت من خلال سؤاله للناس الذين يشترون منه الصحف ويجلسون على المقاهي لقراءاتها، وكان دعنا يستفسر عن الحروف والكلمات حتى أصبح قادرا على قراءة الصحف التي يبيعها وأتقن كتابة وقراءة اللغة العربية وهو في سن 14 عاما، ثم تعلم اللغة الانجليزية فالعبرية والفرنسية وأصبح مراسلا لصحف فنية مصرية حيث كان يعد تقارير مختلفة عن الحركة الفنية في فلسطين، ومن خلال عمله كبائع متنقل للصحف تمكن من مقابلة الفنان فريد الأطرش وأسمهان وحسن فايق وقام بإجراء مقابلات صحفية معهم وإرسالها للصحف المصرية.
الاهتمام بالحياة السياسية
أما بداية اهتماماته السياسية فقد ساقه عمله لها، حيث كان يوزع الصحف في شارع يافا لمقر رابطة المثقفين العرب والتي ضمت حينها إميل حبيبي وإميل توما وكنت استمع لمحاضراتهم ونقاشاتهم واكتشفت بالنهاية أن المكان هو مقر للحزب الشيوعي الفلسطيني فانتسبت له لأنه كان مناصرا للعمال والطبقة الكادحة، وقبيل حرب 1948 أعلن الحزب الشيوعي قبول قرار التقسيم الصادر عن هيئة الأمم الذي رفضته الدول العربي والهيئات الفلسطينية، وأوضح أبو سلام أن الحزب وافق عليه لان اليهود كانوا أقوياء والجميع يدعمهم.
في أيام النكبة توقفت الصحف عن الصدور، والتحق دعنا حينها بالجهاد المقدس الفلسطيني ثم بالجيش الأردني وحصل على رتبة نائب شاويش، وبسبب نشاطاته السياسية تم طرده، وعاد ثانية لبيع الصحف فيما واصل نشاطاته السياسية بتنظيم المظاهرات والكتابة في الصحف المحلية.
تعرض دعنا للاعتقال قبل الاحتلال وبعده، وأطول فترة مكثها لمدة عام في سجن الجفر الصحراوي الأردني.
كشك الصحف
وعن بسطته في باب العمود قال:» في العام 1950 وبعد تقسيم القدس إلى غربية وشرقية أسست البسطة»الكشك» لبيع الصحف لتكون مركزا لي وأصبحت أبيع المجلات والكتب المختلفة العربية والأجنبية. لا أبيع أي كتاب فالكتب التي أبيعها يجب أن تكون ذات مغزى وتعود بالفائدة على القارئ، واستفيد منه شخصيا لتجنيد أنصار في صفوف الحزب الشيوعي، وأضاف أن «كشك الصحف» هو عنوان مركزي لمراكز التوزيع والبيع في الأراضي الفلسطينية اجمع (الضفة وغزة) إضافة إلى بعض عواصم الدول العربية كبيروت وعمان
يتذكر دعنا مسيرة عمله وكأنه لم يمر عليها سوى ساعات قليلة أو أيام تدمع عيناها حين يتحدث عن بعض الذكريات والتي كان أصعبها :» كنت يوما أبيع الصحف في أيام الصيف وكنت حافي القدمين وكان أحد المشترين ينادي علي وهو على الجهة المقابلة للشارع فسارعت إليه ولم انتبه لأعمال تعبيد الشارع فالتصقت قدماي بالإسفلت وبعد ساعة من المعاناة ومساعدة المارة استطعت انتزاعهما وذهبت لوالدتي التي عالجتني «بالقهوة».
ويذكر دعنا أن الأعداد الأكثر مبيعا كانت يوم العدوان الثلاثي على مصر، وأوضح أن الأحداث الحالية ورغم سخونتها لا تجد بيعا كالسابق فالمواطن لم يعد يهتم بالأحداث السياسية وأصبح الشيء «عاديا»، مضيفا أن بيع الصحف اليومية زاد لمعرفة الأخبار المحلية خاصة الوفيات، أما بيع الكتب فقد خفت بشكل مريب ولم يعد المواطن يسهر لقراءة هذا الكتاب أو ذاك فالانترنت والفضائيات حلت مكان الكتاب الصديق .
حبه للتعليم دفعه لتدريس أولاده الأربعة مهنة الطب وقال:» أولادي أصبحوا أطباء وأنا ما زلت على رأس عملي بائع للصحف ليس رغبة بجمع الأموال فأنا لا استطيع الجلوس دون عمل، ورغم كبر سني لكني اشعر أنني ما زلت معطاء، وأولادي يحترمون مهنتي ويشجعوني على الاستمرار بها.
قرأ الحاج دعنا الكتب السماوية الثلاث جميعها وأصبح يفكر بخالق الكون ويقارن بين الديانات فتمسك بالإسلام بشكل شديد وترك الشيوعية كما قال.
وكشخص ملم بالإحداث السياسية والتاريخية يقول أبو سلام عن الوضع الراهن:» لن يتحقق السلام مع إسرائيل بسبب غرورهم وكبريائهم، وأضاف يجب أن نتعامل معهم من مبدأ أن إسرائيل دولة غير معترف بها وهي بحاجة لنا ولا يوجد لها خارطة وسيبقون معلقون مهما طال الزمان.»

وداد الأيوبي:
أعلام مقدسية: تنبض في ذاكرة الشعب الجماعية
د. فيحاء قاسم عبد الهادي
عرفتها من خلال فعالية ثقافية، في الكلية الإبراهيمية بالقدس، قبيل انتفاضة الأقصى، حيث تولت عرافة النشاط، بصوت واثق جميل، ولغة عربية سليمة. تحدثت إليها حول مشروع التاريخ الشفوي، الذي بادرت إلى تنفيذه إدارة المرأة وزارة التخطيط، والمتعلّق بتسجيل تاريخ النساء الفلسطينيات، وتوثيق تجربتهن، بالتركيز على الإسهام السياسي، فترة الثلاثينات والأربعينات حتى منتصف الستينات. تحمست الفقيدة، واستعدت للمشاركة في المشروع بهمة ومسئولية.
وحين تحدثت وداد الأيوبي، تدفق نهر الذكريات، حكت عن صور حية في ذاكرتها، عن الثلاثينات، والأربعينات، والخمسينات حتى الستينات. تحركت صور لماض لا يختلف كثيراً عن الحاضر، حتى خيل إلي، وأنا أستمع إلى بعض أجزاء المقابلة المسجلة، أنني أعيش الماضي والحاضر معاً:
«الحقيقة بين 36 حتى 39 كنت طالبة؛ ولكني أذكر تماماً أنه كان هنالك دوماً تصادم بين الشباب المقدسي، وبين العصابات الصهيونية، في مدينة القدس، وأذكر تماماً أن العصابات الصهيونية، كانت دائماً تضع القنابل هنا وهناك، ولا سيما في السوق المعروف بسوق البازار. في مرة من المرات، حطوا قنابل في سوق البازار، وكان من الضحايا لا تعد ولا تحصى، وذهبت وقتها مع السيدات العربيات، حتى نلاحظ الوضع، فكانت أشلاء المقدسيين مبعثرة هنا وهناك، وهذا منظر لا يمكن أن أنساه في حياتي».
تحدثت عن عضويتها شابّة، في جمعية الاتحاد النسائي العربي المقدسي، التي انبثقت عن جمعية السيدات العربيات، والتي رئستها المرحومة شهندا الدزدار، حيث عمل الاتحاد عملاً سياسياً غير مباشر، حين ركز على جمع التبرعات، وإقامة المعارض، وتنظيم الندوات السياسية. «وكان تجمع نسوي كبير جداً امتد من 1929- 1936، انبثق عن هذا التجمع، جمعية الاتحاد النسائي العربي المقدسي، لمضاعفة العمل الاجتماعي والعمل الثوري».
وتذكرت نشاطاً مميزاً للمرأة الفلسطينية، في بداية الأربعينات: «يافا كما نسميها عروس الشاطئ، كانت في الأربعينات، كانت مركزاً للنشاط النسوي، أنا أذكر تمام كنت أروح ضيفة عند دار خالي، وأرى تجمعات السيدات اليافاويات، ويخططوا، ويعملوا مظاهرات، ويقوموا، لماذا؟ لأن يافا كانت قريبة جداً من تل أبيب، أذكر تماماً إنه في إحدى المرات، أذكر إنهم من النزهة، خرجوا متجهين إلى خط تل أبيب إلى الشمال، هناك في تل أبيب، واصطدموا مع الجيش البريطاني، وطبعاً كان دائماً معاه عناصر يهودية، وكانت الحقيقة مظاهرة كبيرة جداً، أذكر من اللي اشتركوا فيها: بنات خالي: سلمى أيوبي، ريا، سهيلة، مرة خالي سهيلة مرة دكتور دجاني، كان فيه هناك دكتور فؤاد دجاني، مدامته، بنته، كل يعني هذول الناس».
أما في الخمسينات، فقد اتضح دور نسائي ثقافي تربوي، من خلال شهادة وداد الأيوبي. عشقت الراوية الكتابة، وكتبت بعض المقالات قبل تخرّجها من كلية الصحافة، كما كتبت قصصاً وشعراً، ثم مارست الكتابة الصحافية بشكل منتظم، بعد تخرجها؛ لكنها كتبت تحت اسم مستعار: «بنت الحرم»، ثم عادت وكتبت باسمها زاوية أسبوعية: «أحاديث الاثنين»، وبقيت تكتب حتى 1967.
أدركت الراوية أهمية الثقافة في العمل التربوي، فاهتمت بالمسرح، وألفت تمثيليات مسرحية عام 1957، فكتبت مسرحية، اسمها: «القدس تنادي»، عرضت مرتين في عمان ضمن مسابقة ثقافية بين مدارس المملكة، وحصلت على الكأس الأولى في المسرح المدرسي، على نطاق المملكة. ولا يزال الكأس موجوداً في مدرسة بنات سلوان الإعدادية. ثم انتقلت إلى مدرسة بنات البيرة، فكتبت أكثر من مسرحية، قدمت على مدى سنوات، ثم انتقلت إلى الكلية الإبراهيمية، واستمرت في كتابة المسرحيات. كتبت مسرحية «الأرض»، وعرضت على مسرحها، وما يزال النصّ موجوداً في ملفات الكلية.
وحين سألتها الباحثة عن النساء الفلسطينيات، اللواتي رسخن في ذاكرتها، تحدثت عن: زليخة الشهابي، وهند الحسيني، وفاطمة وزهيّة النشاشيبي، وسلمى حسيني، ونزهه درويش، وشاهندا الذردار، وفاطمة أبو السعود. وتوقفت عند ثلاثة أسماء لنساء لعبن دوراً سياسياً وثقافياً واجتماعياً في فلسطين: هند الحسيني، التي ارتبط اسمها بمجزرة «دير ياسين»، وفاطمة أبو السعود، التي ارتبط اسمها بالعمل السياسي السرّي في القدس، وفائزة عبد المجيد، التي ارتبط اسمها بالأدب والثقافة:
«هند الحسيني لعبت دور المرأة الفلسطينية التي لا تنسى أبداً، علمت هند الحسيني ان بعض الأطفال اللي كانوا لا أم ولا أب، هذول اللي طلعوا من دير ياسين، أخذتهم إحدى الأديرة، ورأسا لملمت هالاولاد، ورأساً أخذتهم، ومن هناك، بدأت دار الطفل، اللي هلا صارت قلعة من قلاع التربية والتعليم بالقدس، هند الحسيني لا تنسى ابداً، ودائماً دار الطفل، كانت مركز للاجتماعات النسوية، للندوات لمحاضرات، لأي إشي إله علاقة بالعمل الوطني، كان عند هند حسيني، حتى صارت كليه هند الحسيني، تابعه لجامعة القدس».
«أريد أن أتوقف قليلاً عند الأخت فاطمة أبو السعود، الله يشفيها يا رب. فاطمة أبو السعود عملت معي في بنات سلوان الإعدادية، معلمه لموضوع الرياضيات، كانت نشيطة جداً، كانت الصبح تيجي على المدرسة، تعمل معلمة، وبعد الظهر، تدور تبحث تفتش تنقب على العائلات المستورة، عن الأيتام، عن مين اللي مات زوجها، وتجمع وتعمل وتساهم في كتابة البيانات،واللي إيش المنشورات، إلى آخره».
«لن أنسى فايزة عبد المجيد ما حييت، كنت كلما أكتب حديث الاثنين تتصل معي، ما لاقتني تقول لرئيس التحرير، إتصل بوداد وقولها: شكراً لك، فايزة عبد المجيد تحييك، لن أنساها مطلقاً، وطبعاً فدوى طوقان، وأقلام كثيرة جداً؛ بس فايزة عبد المجيد بالذات، كانت تشجعني كثير، وأعتقد انه كانت هي من العناصر، اللي خلتني أستمر في الكتابة».
قضت وداد الأيوبي في الثاني من نيسان 2006، دون أن تحقّق حلمها في كتاب يجمع إنتاج عمرها. أيا «بنت الحرم»، أيتها المربية الفاضلة وداد الأيوبي: ثقتي كبيرة في أن شعبك لن يخذلك، وأنك سوف تجدين من يقدّر رغبتك، وينشر كتابك، لنستفيد جميعاً من تجربتك الغنية، ولنكرمك بعد وفاتك، كما كرّمتك الكلية الإبراهيمية في حياتك.
التراث الصوفي في كنف بيت المقدس
كتبت ربى عنبتاوي
القدس المحتلة:
رائحة بخور، مقتنيات قديمة وتراث اوزبكي عثماني يتجسد في الأثاث وأدوات الضيافة، هذا عدا عن الصور التذكارية والمقتنيات القديمة، مع وجود شظايا وثقوب على زجاج احد الخزائن بسبب قنبلة أطلقها المحتل إبان حرب 48 . جو روحاني خاص يعرف بالصوفية يستشعره المقيم والزائر، وسكينة تنسجم مع قدسية المدينة ومهد الديانات الثلاث.
تتألف الزاوية من ممر ضيق يمتد من الشمال إلى الجنوب، تطل عليه غرف من كلا الجانبين، وعلى يمين الداخل من الجهة الشمالية يقع جامع صغير، عبارة عن غرفة بسيطة فيها محراب للصلاة، هذا إضافة إلى مقبرة دفن فيها عدد من مشايخ البخارية في القدس، وفي الطابق الثاني مكتبة تشمل عددا كبيرا من النسخ القرآنية، والمخطوطات العربية والتركية والفارسية، هذا عدا عن المقتنيات الهامة كالنقود والسجاجيد وأدوات الطهي التي تعود إلى العهد العثماني.
هذا وصف مبسط لمعالم الزاوية أما عن تاريخها وانخراط أفرادها في مختلف نواحي الحياة فتحدث عبد العزيز موسى البخاري شيخ الزاوية مضيئاً للقراء جانباً مميزاً يتواجد داخل حدود القدس العتيقة.
تاريخ الزاوية النقشبندية
تعد الزاوية النقشبندية من معالم القدس العثمانية، ويطلق عليها أيضا الزاوية الأزبكية أو البخارية نسبة إلى القائمين عليها، وقد ذكرها كثير من مؤرخي بيت المقدس، ويعتقد أنها بنيت في أواخر العهد المملوكي أو أوائل العهد العثماني.
وقد تأسست التكية البخارية أو الزاوية النقشبندية بهدف إيواء الزائرين وإطعام الفقراء وخاصة القادمين من أسيا الوسطى واندونيسيا، وقد قام الشيخ عثمان بك البخاري المعروف بالصوفي بتوسيع الزاوية العام 1731م.
في وقت لاحق تولى الشيخ رشيد البخاري الزاوية، ومن بعده ولده الشيخ يعقوب البخاري المتوفى العام 1956، ثم انتقلت المشيخة إلى ابنه الشيخ موسى بن يعقوب البخاري والد عبد العزيز المتوفى بالقدس العام 1973 وقاضي محكمة أريحا الشرعية آنذاك. يقوم عليها حاليا الشيخ عبد العزيز موسى البخاري بعد أن اخذ البيعة من الشيخ ناظم الحقاني في قبرص .
جاءت عائلة البخاري من أوزبكستان العام 1616 م، بهدف تمثيل بلدانها تماما كالسفارات الآن، ونشر جزء من ثقافتها وعلمها على الطريقة النقشبندية الصوفية القادمة من كلمة اوزبكية (نقش بند)، أي بمعنى أن يكون الله منقوشا على قلب المؤمن، ولا تؤثر عليه العوامل الدنيوية.
الهدف والضيافة
ترسيخ قواعد الصوفية كان مسعى مشايخ الزاوية، لأن مدينة القدس دينية سياحية والزوايا بشكل عام عدا عن كونها مدارس وممثليات هي أيضا بيوت ضيافة لأبناء بلدها أو غيرهم، والزاوية النقشبندية استضافت لفترات طويلة امتدت ل400 عام في أيام الخميس من كل أسبوع أهالي القدس والزائرين للمدينة على موائد مجانية، قلّت بعد نكسة 67 بسبب الاحتلال أولا واتخاذ الأوقاف الإسلامية الزاوية كوقف خيري عام ثانيا، الأمر الذي حدّ من الاستفادة من ريع تأجير البيوت لصالح الزاوية، وقد كان عدد الزائرين الاوزبكيين والأتراك والأفغان إلى فلسطين سنويا قبل عام 67 يتراوح بين 30-80 زائراً سنويا.
مشروب الضيافة الشاي ولكن بالطريقة الاوزبكية، حيث يصب ساخنا من إبريق السموار وفق خطوات معينة وأصول في الشرب بفنجان البايلا الشبيه بوعاء الحساء، مع إضافة قطعة سكر توضع في الفنجان أو أسفل اللسان، ويستقبلك الاوزبكي بلباس بلده الذي يتميز بعباءة الشَبان المزركشة وطبعا حسن التعامل والتحدث بهدوء ورقي.
أصل الصوفية
ترتبط الصوفية بالطريقة الصديقية نسبة إلى الصحابي الجليل «أبو بكر الصديق» وتحديدا قصة غار ثور واحتماء الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر في الغار حيث استنجد الثاني بالله بعد تلاوة الرسول آية «لا تحزن إن الله معنا»، مكرراً اسمه أكثر من مرة ،الأمر الذي جعل «أبو بكر» يقول لاحقا انه شعر بوجود الله معه في الغار. من هنا جاء علماء ومفكرون مسلمون استفادوا من تجربة أبي بكر الصديق وطوّروها لتصبح مذهبا منفردا في دين الإسلام.
واقع الزاوية
استقرت فيها مجموعة قليلة العدد وصلت من أوزبكستان، لم تتسع أو تمتد نظرا لهجرة عدد كبير منها للخارج ليبقى من ساكني الزاوية الآن ثمانية أفراد فقط هم عائلة البخاري، مع وجود عدد من الاوزبكيين المنتشرين في كافة أنحاء فلسطين والذين لا يزيد عددهم عن 400 فرد بينهم روابط وثيقة .
ولا تختلف نظرة أفراد الزاوية إلى الاحتلال الإسرائيلي وممارسته القمعية عن أي فلسطيني آخر، ويرى الشيخ البخاري أن اكبر اهانة للمؤمن وتحديدا الصوفي أن يمنع من الصلاة والعبادة في بلده.
موقف الصوفيين من الجهاد اقرب إلى مفهوم جهاد النفس أي الصمود والصبر في ارض الرباط، وعدم مواجهة الأعداء إلا بعد إعداد قوة موازية لقوتهم استنادا إلى قوله تعالى: «واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، وما دام الفلسطينيون لا يملكونها بعد، فالتحلي بالصبر ومجاهدة النفس وإنشاء أجيال مؤمنة قادرة على مواجهة العدو أفضل كثيرا من وجهة نظرهم.
وتلقى أفراد الزاوية التحصيل الجامعي، والجيل الجديد لا يتقن لغته الأوزبكية باستثناء الشيخ البخاري ، وعن أحوالهم الاقتصادية فمعظمهم متوسطو الدخل وموظفون في الشركات والمؤسسات المختلفة، فيما يتحدث الشيخ البخاري ست لغات بطلاقة ويعمل حالياً مدرسا متنقلا للصوفية في مختلف أنحاء البلاد من أجل نقل الصورة الحقيقية للإسلام .

فيلم وثائقي يروي معاناة مواطني قرية حزما شرق القدس
ميسة أبو غزالة:
ضمن فعاليات القدس عاصمة للثقافة العربية أنتجت الهيئة الشعبية المقدسية للاحتفالية الفيلم الوثائقي «أطواق إسمنتية» روى بالصورة والصوت معاناة سكان قرية حزما الواقعة شمال شرق مدينة القدس على بعد عشرة كيلومترات.
تبلغ مساحة حزما 18 ألف دونم أحيطت بالمستوطنات التي توسعت على حساب أراضيها كالسرطان: من الشمال مستوطنة آدم ومن الشرق مستوطنتي النبي يعقوب وبسغات زئيف، إضافة إلى الحاجز العسكري الذي يفصل المواطنين عن بعضهم ويمنعهم من التواصل مع مدينة القدس.
ويحمل سكان القرية هوية الضفة الغربية وآخرون البطاقة الإسرائيلية وجزء ثالث دون هوية بحجة أنهم يقيمون على أراض تملكها إسرائيل؟!.
والفيلم الذي أخرجته إسراء سلهب بدأ بحديث لحاجة من سكان القرية عن عدم تمكنها من الوصول إلى القدس والأقصى للصلاة فيه، مستذكرة الأيام الماضية «أيام الزراعة وتربية الماشية»واعتماد على المدينة الأم مدينة القدس.
وضم الفيلم شهادات وقصص عديدة لبعض سكان القرية حول معاناتهم الاقتصادية نتيجة منعهم من العمل داخل القدس، والتضييق على نشاطهم الزراعي والحيواني، كما تحدثوا عن الصعوبات التي يواجهونها في تنقلاتهم بين طرفي القرية ومصادرة أراضيهم لصالح الجدار والمعبر.
إيهاب الجلاد منسق الهيئة الشعبية المقدسية للاحتفالية قال:» أن الفيلم أحد الوسائل الإعلامية الهامة لإظهار مدى معاناة المقدسيين بسبب الحواحز والجدار من خلال قصص إنسانية مختلفة، مضيفا أن تلك الحواجز أدت إلى قتل مدينة القدس وعزلها عن امتدادها الطبيعي وبعدها الجغرافي لتحقيق الحلم الإسرائيلي بجعلها مدينة يهودية من خلال أحداث الخلل الديمغرافي.
وشدد الجلاد على ضرورة استغلال الإعلام لخدمة القضية الفلسطينية ولكسب التأييد الدولي والعالمي، موضحا انه سيتم ترجمة الفيلم إلى الانجليزية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.