خطوبات ومواسم وختان جماعي وحلويات تلك هي عادات النصف الثاني من شهر رمضان في القيروان، وهي عادات اجتماعية واقتصادية أصيلة تغير وجه المدينة فتنشط الزيارات العائلية وتتحول الى «مشاريع» مصاهرة وأفراح تؤثث ليالي رمضان فتعلو الزغاريد وتعبق رائحة البخور. وتعد ليلة القدر أو ليلة «سبعة وعشرين» أهم موعد في هذا الشهر المعظم وهي مناسبة دينية بامتياز فيها يضاعف الناس من أعمال البرّ من اطعام المساكين وتلاوة القرآن والابتهال بالمغفرة وفيها تخرج الصدقات ويشرع في اخراج زكاة الفطر. كما تشهد مسابقات حفظ وتجويد القرآن الكريم ومسابقات حفظ الحديث النبوي بالاضافة الى الندوات والمسامرات الدينية بمختلف المساجد وأهمها بجامع عقبة يشرف عليها ثلة من أهل العلم وأولى الأمر. خطوبة وختان وفي هذه الليلة المباركة تطفو على المدينة حركية لا مثيل لها، وهي أيضا مناسبة اجتماعية وموعد متجدد للقاء العائلات المتصاهرة وابرام مشاريع مصاهرة جديدة هي بمثابة ثمار للزيارات العائلية. في هذه الليلة المباركة يحمل الخطيب «الموسم» لخطيبته عربون وفاء وتواصل العهد وهو عبارة عن هدية تتنوع بين تشكيلة من الأواني النحاسية أو البلورية (سيربيس طاولة) أو بعض الملابس الى جانب أطباق الحلويات. مشاريع الخطبة أو «الرشمة» التي تعرف بالفاتحة تزدهر هي الأخرى خلال هذه الفترة، وهي مناسبة يقدم فيها الشاب «خاتم الخطوبة» الذي يتحول الى ميثاق وعقد اتفاق يتوج علاقات الحب والتعارف. كما يتم خلال هذه الليلة تجديد العهد بين العائلات المتصاهرة بتبادل السهرات لتحديد موعد للزفاف. وفي سياق الأفراح والمسرات والتماسا لنفحات رمضان المباركة يتم بهذه المناسبة من الشهر تنظيم حفلات ختان جماعية منها ما تشرف عليه السلط الجهوية ومنها ما تشرف عليه الجمعيات. وهي عملية تضامنية لفائدة العائلات المعوزة وموعد سنوي لتجديد العهد مع التكافل الاجتماعي كأحد مميزات الدين الاسلامي وأسس العهد الجديد والتي يشرف عليها رئيس الدولة. حلويات «دياري» النصف الثاني من شهر رمضان هو أيضا وبلا منازع موعد اعداد حلويات العيد، ومع اقتراب العيد تتحول البيوت الى ورشات وخلية نحل لصناعة «الحلويات» بمختلف أصنافها.ولئن تغيرت العادات لدى بعض العائلات وأصبحت تشتري حاجياتها من الأسواق فإن معظم الأسر تتمسك بصناعة «الحلو الدياري». وقد أصبحت قائمة الحلويات طويلة من طبق المقروض والغريبة (حمص ودرع وفارينة) الى «الصمصة» و«البقلاوة» و«البسكوي» وكعك الورقة وطاجين اللوز وغيرها... فتتحول المخابز في تلك الليالي الى أفران للمرطبات تنافس أطباقها كميات الخبز فتنتصر رائحتها الطيبة. وفاء ولعل انغماس العائلات في هذه الاجواء المفعمة بالبهجة لا يشغلها عن الأقارب المتوفين. وتتمتع المقابر بأعمال التهيئة فيتعهدونها بالصيانة و«التبييض» ونزع الأعشاب الطفيلية من حولها. هذه التهيئة تسبق الزيارات الرسمية للقبور صباح عيد الفطر. ما يميز شهر رمضان المعظم هو ذلك المزيج من أعمال العبادات والعادات، أجواء مفعمة بالخير والبركة والتراحم والتكافل وتجدد روح الأصالة. جميع هذه التفاصيل تجعل من رمضان شهر الخير والبركة رغم أن البعض يخرج منه مهزوما بضربة المصاريف القاضية.