... الحركية على أشدّها... منتصبون احتلوا الممرات كما احتلت بضائعهم الحواجز المطلة على المساحات التي غابت عنها حيواناتها ولم يبق منها الا اللوح الذي يرمز إليها ويقدّم عنها البعض من المعلومات... لعب بلاستيكية اختلفت أنواعها من المسدسات ذات الكريات الصفراء الى ذات الأسهم... الى غيرها من تلك القائمة الطويلة التي ما فتئت مصالح المراقبة الصحية والاقتصادية والتجارية تحذّرنا من اقتنائها... بعد حجز الأطنان منها جرّاء الأمراض السرطانية المتسببة فيها... صوت الأطفال المهرولين هنا وهناك طغى عليه صوت باعة الكسكروت الجاهز المعروض في كراطين تغيّر لونها ومال الى السواد تراصفت بدورها الى الأرض... على صوت النسوة الاتي تربعن على الأرض... «تاي أخضر»... «حرقوس«... «إيجا منّا حرقص». كان هذا المشهد العام أول أمس الأحد (يوم العيد) داخل فضاء حديقة الحيوانات بالبلفيدير... غابت «الفقمة»... كما غاب قبلها الفيل والزرافة... ونام الأسد في غيبوبة... وبقيت أقفاص أخرى فارغة... فيما احتلت القوارير البلاستيكية والأكياس والفضلات كل الأحواض المائية الى درجة تبعث على الاشمئزاز هذا دون اعتبار الفضلات التي غطت المساحات الخضراء... مشهد غريب جدا على هذا الفضاء الذي عايشنا منذ الطفولة وألفناه... أيام قبل العيد لاحظ عدد من الزوار أن البحيرة الخارجية بمدخل البلفدير والتي سحبت منها المياه وأعيد تنظيفها بعناية... قد تكون بادرة خير لتمتد تلك الايادي الى داخل حديقة الحيوانات... عاد الماء الى البحيرة وعادت معه أعداد قليلة من البطّ... الذي سبح هنا وهناك... لكن «يا مزيّن من برّة» آش حالك من الداخل» فهذه الحديقة خيّبت ظن الزوّار في يوم العيد خاصة لمن لم تتح لهم الفرصة للزيارة بسبب الأوساخ المتراكمة والتي لم تكن وليدة تلك الساعات الأولى للصباح... هذا دون اعتبار المنتصبين ببضائع هي محظورة داخل فضاء يعتبر فضاء بلديا محميا. الحديقة مهزلة «... الحديقة اليوم مهزلة بالفعل... جل الحيوانات التي نعرفها لم تعد موجودة... وما تبقى منها لا يصل الى حدود نسبة معينة... اصطحبت معي طفلتي لكني فوجئت بأن وحيد القرن احتل مكان الفيل»... هكذا استهل السيد رضا التونسي كلامه محتجا على الحالة التي كانت عليها الحديقة اليوم ليضيف: «لم أكن أتصوّر أن أجد هذه الحديقة التي عرفناها طيلة تلك السنوات وقد غاب عنها أشهر حيواناتها... أنظروا من حولكم (مشيرا بيده الىعدد من المساحات) انها خالية من الحيوانات وإن وجد بعضها فهي منعزلة أتمنى أن يشاهد المسؤولون ما آلت اليه هذه الحديقة اليوم... لأنها رمز وتاريخ لا يمكن أن يقع غض النظر عنه». نفس الرأي شارك فيه السيد رضا وزوجته ايناس التي رأت في المكان مكبّا للنفايات خاصةداخل الأحواض المائية التي تراكمت فيها الفضلات بشكل لافت للانتباه. انتظرنا الفقمة لكن!! كانت تجلس الى الحجارة رفقة أطفالها الثلاث... يتقاسمون كيس الكاكي... قبل أن تنهض متثاقلة ومحتجة... السيدة مبروكة قدمت خصيصا من جهة سيدي ثابت لترافق أطفالها في زيارة لحديقة الحيوانات... لكن انتظارها الطويل أمام المكان المخصص للفقمة لم يجد نفعا لرؤيتها إذ تقول: «تصوّروا اعتقدت للحظة أنني بلهاء... جلست في انتظار خروج الفقمة من جحرها تلبية لرغبة أطفالي... لكن لم تكن تلك الفترة التي انتظرتها ستمنحني مراد أطفالي... لقد اكتشفت أنه لا وجود لفقمة... وها هو الحوض المائي المحيط بها وقد تحول الى ماء عفن ومكب للبكتيريا والفضلات... على الأقل كان بامكان مسيري المكان أن يشيروا الى غيابها... لا أن نجلس كالأغبياء ننظر الى الصخور»... ختمت السيدة مبروكة كلامها مهرولة وراء أحد أطفالها الذي أطلق ساقيه للريح في اتجاه بائع كسكروت التن المعروض على الأرض...». الأوساخ حتى يوم العيد لم يكن موضوع الأوساخ المتراكمة هنا وهناك محل احتجاج البعض فقد عبرت عنه أيضا السيدة ألفة الجندوبي التي كانت مرفوقة هي الاخرى بطفليها «... لم يُضف أي شيء للحديقة جديد... بل بالعكس قل عدد الحيوانات المعروضة واختفى أهمّها... توقعت أنه بما أننا في يوم العيد فأقل احترام للزوار هو أن يكون هذا الفضاء البيئي نظيفا وليس بهذا الشكل... وكان على مسؤولي المكان تنظيف هذه الأحواض وإن لزم الأمر أفراغها من المياه ما دامت حيواناتها غائبة لأجل غير مسمّى». نحبّ الفيل... ... «نشوف الفيل»... هكذا علّقت علىسؤالنا الطفلة عبير وشاركتها الرأي قريبتها ملكة: «لم نجد الفيل ولا الزرافة»... وبعض الأماكن الأخرى كانت فارغة... نحب حديقة الحيوانات ونأمل أن نرى فيها الحيوانات». ممنوع بالطريق العام مسموح بالفضاء البلدي! الألعاب الممنوعة وخاصة منها المسدسات ذات الكريات الصفراء والتي كانت معروضة للبيع بكامل الممرات داخل حديقة الحيوانات...لم تجد طريقها الى أيدي الأطفال فحسب بل امتدت الى الحيوانات داخل الأقفاص حيث استغلها عدد من الأطفال لاطلاق تلك الكريات على القرود الصغيرة داخل أقفاصها فيما تكرر نفس المشهد تقريبا لأطفال باكين ممسكين بتلابيب ملابس أوليائهم لارغامهم على اقتناء كسكروت التن ب 500 مليم من على الرصيف نفس الأمر كان بالمقهى الكائن داخل الحديقة حيث غابت الكراسي والطاولات وحلّت محلّها الفضلات والأتربة... «ناقشات الحرقوس... واجهات الحديقة جلسن بدورهن تباعا عبر الممر يقدّمن خدماتهن مدفوعة الأجر في رسم الزينة على أيدي الفتيات الصغيرات... المشهد العام للحديقة... لم يكن يعكس الصورة الحقيقية للحديقة... لفضاء له تاريخ عقود وعقود من الزمن لخّصتها الطفلة صفاء بالقول «تمنيت لو وجدت صورا للحيوانات عوضا عن الكسكروت أو مختص يقدّم لنا بعض المعلومات عن تاريخ الحديقة وعائلتها وليس ناقشات حرقوس»... وختمتها السيدة خديجة فقط بعبارة «يا حسرة على أيامك يا بلفيدير». ريبورتاج وصور: سميرة الخياري كشو