دمشق (الشروق): من مبعوثنا الخاص: النوري الصل طيلة العقود الماضية ظلّت سوريا رقما صعبا في زمن الحروب والازمات كما في زمن السلام والمفاوضات... ظلت عصيّة على الركوع والخضوع رغم المكائد التي دبّرت لها ورغم الضغوط والتهديدات التي تعرضت لها... بل إن الحروب التي شهدتها المنطقة مؤخرا بدءا من حرب العراق الى حرب لبنان الى الحرب الاسرائيلية على غزة وانتصار المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية في هذه المعارك أكدت صوابية رؤية سوريا الاستراتيجية وأهمية دورها المحوري في المنطقة... فخلال هذه الفترة حاولت الولاياتالمتحدة وخاصة الفترة الاخيرة الضغط على دمشق وعزلها عربيا وإقليميا ودوليا لكنها استفاقت مؤخرا على حقيقة ثابتة بأن السلام في الشرق الاوسط دون سوريا أمر صعب المنال... ولعل من يتابع المحاولات الامريكية التي تبذلها الادارة الامريكية منذ وصول إدارة أوباما الى الحكم، من أجل فتح أبواب العلاقات مع سوريا يقف على هذه الحقيقة... فالزيارات المتتالية لعدد من كبار المسؤولين الامريكيين في الكونغرس الامريكي تقول الكثير... كما أن التحالفات والعلاقات المتنامية بين دمشقوأنقرة (العضو في الحلف الاطلسي) تكاد تكمّل ما تقوله الاولى... وعدا عن أن هناك حاجة في آخر المطاف للانخراط في عملية السلام فإن الحلقات التي تتداخل فيها المصالح المشتركة كثيرة أيضا... واضح أن هناك محاولة من إدارة أوباما ل «ترويض» سوريا تمهيدا لعزل إيران وفتح باب لدمشق من أجل غلق باب آخر أمام طهران لكن سوريا أدركت جيدا هذه «اللعبة» ورفضت التفريط بسهولة في علاقتها بإيران وهذا ما أكده الرئيس السوري بشار الاسد نفسه في زيارته الاخيرة الى إيران... باختصار، ما تريده أمريكا اليوم هو تحييد سوريا... والتحييد هنا لا يتعلق فقط بالملف الايراني بل أيضا بالملف الفلسطيني ذلك أن ما يهم أمريكا أن تتوقف دمشق عن إيواء حركة «حماس» و«الجهاد الاسلامي» والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة... وأن تتوقف أيضا عن دعم المقاومة اللبنانية... وهذا الملف... بالذات هو «الهدف»... لكن هناك أيضا الملف العراقي... فالولاياتالمتحدة لاتزال جاثمة على العراق وهي تريد الخروج منه «بلا هزيمة»... أي أن تترك هناك طاقما سياسيا مواليا لها عقب انسحابها... ولذلك حاولت الولاياتالمتحدة مرارا تارة بالضغط والترهيب... وتارة بالاغراء والترغيب على إقناع سوريا بمساعدتها على تحقيق هذا الهدف لكن سوريا رفضت ولم تفلح كل هذه الاساليب في دفعها للاستسلام لتقف واشنطن مجددا على حقيقة تفيد أنها أمام لاعب محوري في المنطقة وأنها ليست هنا أمام مجرد «بوابة» لمصالحها... ولتثبت دمشق بذلك أنها ليست جزءا من المشكل بل جزء من الحل... ذلك الحل الذي يوفّر السلام للجميع وليس ذلك «الحل» الذي يدسّ «السم في العسل»... والذي يضمر أكثر مما يظهر... وهذه الحقيقة أكسبت دمشق احتراما كبيرا من مختلف الاطراف الاقليمية والدولية وعززت «رصيدها» لدى الجميع الامر الذي ساعدها الى حد كبير في تفكيك بعض العقد المحيطة بها وفي تعزيز تحالفاتها وارتباطاتها... وباستعراض بعض هذه النجاحات نجد أن أهمها نجاح دمشق مؤخرا في تحويل العلاقة مع تركيا التي كادت، قبل نحو 10 سنوات، أن تصل حد المواجهة، الى علاقة تعاون وتكامل استراتيجي بناء وصلت حد فتح الحدود وإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين... وذلك بعد أن كان الجانبان قد وقّعا في هذا الصدد «اتفاق أضنة» الشهير الذي يضبط العلاقات السورية التركية ويغلق نافذة ظلت الى وقت قريب مفتوحة على الاخطار عند حدود سوريا الجنوبية... وهذه التطورات تقدم، من وجهة نظر أنقرة نموذجا للتعاون مع محيط واسع من دول الجوار... وهي كذلك تؤكد من وجهة نظر دمشق على رغبة سوريا في إقامة توازن بين تحالفاتها الاقليمية... وبالتوازي مع هذا التحرك عملت سوريا على استعادة «الدفء التقليدي» في العلاقات مع موسكو... كما تطمح سوريا في الاثناء الى تعزيز علاقاتها مع الدول الأوروبية والمتابع للعلاقات السورية الاوروبية هذه الايام يلاحظ بوضوح أن هناك حراكا نشيطا وتحوّلا إيجابيا كبيرا في مواقف الطرفين لاسيما في ضوء بوادر الانفراج في العلاقات بين دمشقوواشنطن في عهد إدارة أوباما بعد سنوات العزلة التي فرضتها إدارة بوش السابقة على دمشق... لكن انفتاح سوريا على أوروبا والولاياتالمتحدة ودول الاقليم لن يجعلها تنسى عمقها العربي حيث بادرت دمشق الى ترتيب البيت العربي باحتضانها قمة سورية سعودية فتحت آفاق جديدة وآمالا واسعة في تحقيق مصالحة عربية وفي عودة الدفء الى التضامن العربي واستعادة الدور العربي على الساحة الدولية... ... ألم نقل إن سوريا رقم صعب... في الظرف الصعب؟... ونزيد بأنها أيضا «عمق العرب»...