حوار وإعداد: فاطمة بن عبد ا& الكراي يقول «سي أحمد بن صالح» بنوع من الحسرة، على الأقل هذا ما بدا لي، وهو يتحدث عن مشروع تصنيع الأدوية في تونس: «كانت هناك معارضة شديدة.. بل كانت معارضة عنيفة، تجاه المشروع الذي اقترحته على الصيادلة، بأن يصبح الصيدلي المنخرط أو المشترك في رأس مال الصيدلية المركزية، رئيسا لمخبر لانتاج الأدوية.. كان مشروعا، لو أنجز وكتب له النّجاح، سيقلع بتونس إلى مصاف متقدّمة.. ولكن».. ينقطع «سي أحمد» برهة عن الكلام ثم يواصل، والحقيقة لم يدر بخلدي ما قاله فيما بعد حتى أهيئ سؤالا في الغرض، فقد شدّد على أنه ولما كان هناك في تونس، أي بعد الرجوع من المنفى عرف أو «علمت ورأيت بأن هناك أدوية وفيها من كان ضمن القائمة سنة 1958 حين ناديت الصيادلة واقترحت الموضوع تُصنع في الأردن.. ورغم سعادتي بأن بلدا عربيا يصنع أدوية، ولا يبقى المشهد أو الأمن الدوائي بيد الآخرين (الغرب تحديدا) فإني لم أستطع أن أمنع نفسي من مراجعة تلك الفترة، التي قلت إنني لم أنجح فيها بخصوص هذا المشروع، مشروع صناعة الأدوية.. وكنت في فترة ما أقول للجميع بمن فيهم الفرنسيين، بأنه إذا أردنا أن نكون على علاقة طيبة مع الفرنسيين، فعلينا أن «نغذي» صناعاتهم للأدوية، أي نستورد منهم، وبالنسبة للعلاقات مع الإيطاليين فإن البوابة هي شركة السيارات «فيات» وهذا ما علمته لاحقا وأنا على رأس وزارة الاقتصاد».. قال «سي أحمد» هذا التعليق وابتسم، ولكن حين سألته بالتدقيق عن الأطراف التي عارضت بعنف ذاك المشروع، الذي من المؤكد، لو تمّ، لكان المشهد «الدوائي» والصيدلاني في تونس، أفضل بكثير مما هو عليه، رفض «سي أحمد» وكعادته، تسمية الأطراف، مكتفيا بالقول: «تأكدت من أن الأمر مرتبط بلعبة المصالح، عندما أصبحت وزيرا للاقتصاد.. ولكي أعود إلى موضوع الصيادلة، وصناعة الأدوية، أقول إن رفض الصيادلة للمقترح، كان فيه تعنّت.. ولم يدخلوا في العملية.. وقد حاول في نفس الاتجاه، المنذر بن عمار (وزير الصحة بعد بن صالح) واصل الموضوع معي وكنت على رأس وزارة المالية.. كانت برامج طموحة، وقد تأسفت على تونس، لأن هذا المشروع لم ير النور.. كانت هناك قائمة كاملة من الأدوية التي كان بالإمكان تصنيعها في تونس، كان ذلك قبل السنوات الستين طبعا.. القائمة لم تر النّور، ولم يذكرها أحد من بعد.. قد تكون سرقت.. المهم أن البرامج، عبر وزارة الصحة ومن خلالها، كانت طموحة، أذكر حتى معجون الأسنان، كان من ضمن القائمة».. بقي موضوع تصنيع الأدوية، موضوعا عزيزا على قلب الأستاذ أحمد بن صالح، فقد كان يعتبره ملفا من ملفات الإقلاع والنهوض لتونس المستقبلية.. وهنا جدّد صاحب المذكرات القول: «إن مجال الصحة، هو عنصر أساسي من عناصر تهيئة المناخ للتنمية، فالقوافل الطبية والحملات الطبية ضد الأمراض والأوساخ تعدّ من الأسس التي هيأت وطوّرت المشهد الصحي في البلاد ما بعد الاستعمار».. ولكن مازالت البرامج الأخرى، رغم أن مشروع تصنيع الأدوية في تونس، لم ير النّور، وقد بيّن لنا صاحب هذه المذكرات، أسباب ذلك، تلميحا وتصريحا.. فإلى حلقة قادمة ان شاء اللّه..