لم تعرف عروض الدورة الرابعة عشرة لأيام قرطاج المسرحية، نجاحا كالذي عرفته مسرحية «حقائب» المعروضة ليلة أول أمس بفضاء المسرح البلدي بالعاصمة دقائق بعد نهاية المباراة التاريخية بين المنتخبين الجزائري والمصري. نجاح تجلّى، في الاقبال الكبير للجمهور على مسرحية «حقائب» والذي اضطر بعضه الى متابعة العرض وقوفا، وتجلى خاصة في آراء المسرحيين العرب والجمهور الذي شاهد المسرحية إثر نهايتها. مسرحية حقائب، في الواقع كانت الابرز في أيام قرطاج المسرحية والارقى كما جاء على لسان بعض محدّثينا من أهل القطاع المسرحي. وحتما هذا النجاح لم يأت صدفة، فلقد كان أداء الممثلين جدّ متميز وكان النص كذلك رائعا وراقيا. ولكن الى كل هذه الميزات، تجلت ميزة العرض المسرحي «حقائب» في إخراجه، إخراج أثثه المخرج المسرحي الشاب جعفر القاسمي مخرج حقائب كان في حد ذاته حقيبة عجيبة بمجرد فتحها تجد كنزا ليس بالمعنى المادي طبعا وإنما هو كنز معنوي يجمع بين الثقافة المسرحية الكبيرة والجانب العلمي الاكاديمي، وبين طموح الشباب، والعاشق. فجعفر القاسمي، لا حدود لطموحه في مجال الفن الرابع، وهو كذلك عاشق ولهان بالمسرح، متيّم بالخشبة، حقيبة التمثيل وزّعها عدلا على الممثلين، حقيبة المخرج فجّرها في «حقائب»، فكان نجمها بلا منازع. بكاء الفرح، وإن كان حقا، فإنه مع جعفر كان نتاج مخاض عسير، ونتاج تحدّ أبى صاحبه إلا أن يفجّره في هذا العام، فكان واحدا منا في عمله الوان مان شو كممثل. وكان حقيبة ثرية في حقائب المسرح الوطني. جعفر أراد في «حقائب» أن يعطي الممثل القيمة التي يستحق فوجد نفسه يعطي المواطن التونسي القيمة التي يبحث عنها، فهموم الممثل هي هموم كل مواطن كما جسّدها مخرج حقائب. ما أتاه جعفر القاسمي في مسرحية «حقائب» يؤكد معدنه النفيس، ويؤكد أن أرض تونس التي أنجبت علي بن عياد وفاضل الجعايبي وغيرهم كثيرون، لازالت تنجب المبدعين، ولازال في رحمها من سيثري حضارة البلاد والعباد. إن مسرحنا اليوم في حاجة الى ضخ دماء جديدة فيه، وجعفر القاسمي يجري في عروق المسرح كما يجري دم المسرح فيه ومع مثل هؤلاء المبدعين فنحن في بداية مرحلة جديدة من الابداع فيها تشبّث بتراثنا الابداعي القديم، وفيها محاولات شتى للتقدم ومسايرة التحوّلات التقنية الحديثة بعمق وثبات.