المسرح التونسي، هل عمره مائة عام؟ سؤال لم يتوقف طرحه بعض المسرحيين والمؤرخين للمسرح التونسي منذ اقرار 2009، سنة الاحتفال بمائوية المسرح التونسي، ثم تحول في أيام قرطاج المسرحية الأخيرة الى قضية أثارت نقاشا واسعا ليس بين المسرحيين التونسيين فحسب وإنما بين كل المعنيين بالمسرح التونسي من نقاد ومنظرين عرب. وهناك حتى من فضل ان يكون هذا السؤال او القضية محور الندوة الفكرية لأيام قرطاج المسرحية بدل مستقبل المسرح في العالم. ومن الاسئلة الهامة التي طرحت كذلك بخصوص عمل المسرح التونسي مدى اعتبار المسرح الذي سبق 1909 حتى القرن الاول قبل الميلاد تاريخ تشييد المسارح الرومانية في تونس، مسرحا تونسيا. المسرح العربي التونسي والواضح ان المقصود بالمسرح التونسي الذي نحتفل الآن بمائويته هو المسرح العربي التونسي الذي نشأ في بداية القرن الماضي مع افتتاح المسرح البلدي (1902) وتوافد الفرق المسرحية العربية عليه، وأبرزها الفرقة المصرية الشعبية وفرقة سليمان القرداجي اللتان زارتا تونس في 1908 وكان لعروضهما تأثير واضح على التونسيين المهتمين بفن التمثيل، والذين أسسوا في ما بعد فرقة الجوق المصرية التونسية. وصعد ممثلوها لأول مرة على المسرح في 02 جوان 1909 وهو التاريخ الذي يعتمده اصحاب الرأي القائل بأن المسرح التونسي عمره مائة عام في حين انه ضارب في القدم، ويعود حسب بعض الباحثين الى ما قبل الميلاد. ولعلّ السؤال الذي يطرح هنا هو عن فترة ما قبل 1909 تاريخ صعود أول ممثلين من تونس يقدّمون مسرحا عربيا تونسيا. فماذا كان يقدّم المسرح البلدي الذي شيّد في 1902 قبل وفود الفرق العربية عليه؟ مسارح خشبية يؤكد المؤرخ محمد إدريس المسعودي ان تونس كانت تزخر بالمسارح قبل تشييد المسرح البلدي ثم مسرح روسيني (1903). وكانت هذه المسارح خشبية لا تعمر طويلا بسبب الحرائق وسوء الأحوال الجوية خلال فصل الشتاء. وإذا كانت هذه المسارح موجودة فهذا يعني ان هناك مسرحا. وقد تحدّث مصطفى نقبو عن فرق شبابية كانت تضم أبناء الجاليات الايطالية والمالطية والفرنسية المولودين والمقيمين في تونس. وكانت هذه الفرق تقدم عروضا مسرحية. فهل نعتبر ما تقدّمه هذه الفرق مسرحا تونسيا أم أجنبيا أضف الى ذلك مدى اعتبار الممثلين العاملين في هذه الفرق أجانب والحال انهم مولودون بتونس وأقاموا فيها وفيهم حتى من مات فيها ودفن. وقبل القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر تحدّث أكثر من باحث عن وجود مسرح تونسي في تلك الحقبة ولو انه لم يكن مسرحا بالمفهوم المسرحي الكلاسيكي والحديث. البربر عرفوا المسرح ويؤكد الباحث المغربي جميل حمداوي ان المسرح المغاربي والمسرح التونسي تحديدا تعود جذوره الى القرن الاول قبل الميلاد تاريخ تشييد المسارح الرومانية. كما يؤكد شغف سكان البلاد الاصليين من الأمازيغ بالموسيقى والرقص والرسم. ويذكر انهم أقاموا مسارح كثيرة كشفت عنها الحفريات الأركيولوجية التي أقيمت حديثا. وكانوا يقدّمون فيها العروض المسرحية التراجيدية والكوميدية. وربما كان هذا تأثرا بالحضارة الرومانية او ان سكان البلاد الاصليين كانوا سباقين الى إنشاء المسارح التي تأثر بها الرومان، ويقول الدكتور حسن المنيعي «إذا تتبعنا آثار فن مسرحي في بلاد المغرب العربي، فإن التاريخ يطلعنا على ان البرابرة الذين بقوا مدة طويلة تحت سيطرة الرومان قد انتهوا الى الأخذ بحضارتهم بالرغم من ان بعض المؤرخين يرفضون فكرة ذوبان البربر في الرومان ومع ذلك فإننا نعلم ان التأثير الفكري لروما في افريقيا كان عظيما». وقد ذكر البكري في وصفه لقرطاجنة ان أعجب ما بها دار الملعب ويقصد مسرح قرطاج الذي كان يقدّم فيه أبوليوس او أفولاي عروضه المسرحية التي كانت تشد قلوب القرطاجيين وتسحرهم. ان عمر المسرح في تونس ليس مائة عام وإنما أكثر من ألفي عام أما المائة عام من المسرح التي نحتفل بها هذه السنة، هي مائة عام من المسرح العربي التونسي.