كان مستلقيا في فراشه عندما قابلناه يحتاج الى ما لا يقل عن 20 ألف دينار حتى يقف من جديد على قدميه ويعود الى مورد رزقه (الحلاقة). «إياكم والمكيف» عبارة يرددّها بين الفينة والأخرى لأن المكيف كان سببا مباشرا لمحنته. لم نلتق جلال غانمي (21 سنة) في منزله بل في منزل أحد المحسنين في قصر قفصة لأنه لم يجد من أقاربه من يقدر على رعايته فأمه غادرت الحياة ووالده المسن مصاب بإعاقة في السمع تمنعه من الاستماع لطلباته وشقيقته الوحيدة تواصل دراستها الجامعية في العاصمة أمّا زوجة والده التي لم يجد منها غير المعاملة الحسنة فقد أنهكها المرض وحال دونها ورعاية جلال. توفيت أم جلال وهو لا يزال صبيا ونشأ بين أحضان والده وزوجة أبيه رفقة شقيقته فلم يجد جلال بدّا الا التعويل على نفسه عساه يعيل عائلته فتعلم مهنة الحلاقة ولم يتجاوز بعد سن 13 سنة الى أن اشتد عوده وبعد أن حذق مهنته وما أن بلغ سن الرشد حتى غادر الى التراب الليبي علّه يحسن وضعه ووضع عائلته المادي والاجتماعي ووجد ضالته في بداية مشوار غربته وعمل حلاقا لمدّة ناهزت السنة وكانت الأقدار له مرة أخرى بالمرصاد بأن جنى على نفسه من حيث لا يدري اذ كان بمجرّد انتهائه من عمله يعود الى بيته وللتخلص من الارهاق والتعب وقيظ الصيف يستلقي أمام مكيف البيت فكان أن أصيب بمرض جرّاء ذلك يعرف بارتخاء العضلات وهو في الواقع لا يزال محلّ خلاف بين الأطباء ليمتد الى مفاصله ويصيب ساقيه وساعديه ويديه بنوع من الشلل. كان ذلك ما اكتشفه جلال ووقف عليه خلال شهر رمضان الفارط إثر عودته لزيارة أهله وأقاربه بعد أن تدهورت صحته وبعد أن أحس بفشل في ساقيه وساعديه. أنقذته المحامية عرض جلال حالته على أحد الأطباء بقفصة وبعد فحص وإجراءالتحاليل اللازمة قام بتوجيهه الى أطباء الاختصاص بمدينة صفاقس فاختلفوا في تحديد طبيعة مرضه فتقرر أن يخضع لتحاليل اضافية بمقتضاه يقع تحديد وتشخيص طبيعة مرضه وكان خلالها قد أنفق ما يناهز الألف دينار وهي كل ما ادّخره من رحلة غربته. وعجز عن العودة الى مدينة قفصة لولا تدخل احدى ذوات البر والاحسان وهي محامية فساعدته على إجراء الفحوصات الطبية ومكنته من العودة الى مسقط رأسه... ورجانا أن نرفع لها كلّ دعوات الخير عما قامت به تجاهه رغم عدم معرفتها السابقة به. وقد اقترح عليه الأطباء ضرورة الإقامة بالمستشفى مع خضوعه لحصص من التدليك بجبل الوسط وحدّدت كلفة الليلة الواحدة ب120 دينارا إضافة الى معلوم حصة التدليك (60 دينارا) على أن تتراوح مدة العلاج ما بين الثلاثة والخمسة أشهر أي بكلفة جملية تتراوح بين 20 و30 ألف دينار دون كلفة التحاليل والتنقل... وقد تحجرت مدامع عينيه أمام تفاقم حالته المرضية وعجزه عن انقاذ نفسه أمام ما ينتظره من إعاقة تامة (حاليا تعتبر إعاقة مؤقتة على أمل الشفاء) وتضرب له الأقدار مرة أخرى موعدا مع المعاناة والمتاعب اذ تعرّض مساء عيد الاضحى المبارك الى كسر في قدمه اليمنى. في انتظار دراسة ملفاته لم يبق جلال أمام حالته مكتوف اليدين اللتين قيدهما المرض فتقدم بمطلب الى مختلف مصالح دوائر الشؤون الاجتماعية وصندوق الضمان الاجتماعي للحصول على بطاقة إعاقة أو بطاقة علاج لكن كل ذلك حسبما صرّح لنا به بقي قيد انتظار دراسة ملفاته كما أن عدم انخراطه في صندوق الضمان الاجتماعي يجعل امكانية حصوله على بطاقة علاج أمرا مستحيلا. وعليه أن ينتظر دراسة ملفاته لكن هل ينتظره مرضه ويؤجل قسوته وسطوته عليه!؟ وحالته الصحية تسير نحو التدهور. جلال حاليا يقبع طريح الفراش يتأمل حاله يائسا بائسا ويأبى أن يستعطف أحدا لعزّة نفسه لكن خانه الفقر وصغر سنه وفاجأه المرض مبكّرا في عز شبابه ولهذا يرجو النظر الى حالته بعين الرحمة والتعجيل بانقاذه وتمكينه من الوثائق اللازمة للعلاج قبل فوات الأوان فحالته لا تتحمّل الانتظار أكثر مما انتظر. ويترك لذوي البرّ والاحسان الذي لا يشك أبدا في تعاطفهم ونبلهم ووقفتهم الحاسمة والعاجلة الى جانبه في محنته.