عندما نتحدث عن المعوقين يعترينا إحساس بالشفقة تجاه أناس شاءت الأقدار أن يولدوا أو يكتسبوا بعد الولادة عاهة أو مرض أو خلل عضوي يجعلنا نصنفهم ضمن هذا التصنيف ونعتبرهم من ذوي الاحتياجات الخصوصية لأن حياتهم أصبحت مرتبطة أشد الارتباط بمساعدة غيرهم فهم يعجزون عن القيام بالوظائف الحياتية اليومية دون هذه المساعدة ومن يرى عن كثب حياة الاشخاص المعوقين يرى أن الشفقة في الواقع هي مستحقة أيضا لعائلاتهم لأن معاناة هذه العائلات في الاهتمام بالمعوق مضاعفة من الحاجيات اليومية الى متطلبات التنقل الى المسشفى للعلاج دون أن ننسى ما تفرضه كل حالة معوق من إلتزام بمواعيد الدواء طوال اليوم ومراقبة ويقظة تحسبا لأي طارئ خلاصة القول أن المعاناة الحقيقية هي ليست معاناة المعوق فحسب بل أيضا العائلة وخاصة الوالدين والام في المرتبة أولى إذ هي أول من تهب حياتها ووقتها لإبنها المعوق وتغدق عليه في العطاء دون كلل أو ملل حاولنا من خلال الروبرتاج التالي أن نقف عند هذه المعاناة من خلال صور واقععية لعائلات تضم أبناءا معوقين. معاناة في الكبر الصورة الاولى هي لكهل يدعى لزهر قارب العقد الرابع من عمره هو واحد من بين 7 أفراد في العائلة إخوته الذكور تزوجوا وأسسوا عائلاتهم أما هو فحياته إنقلبت رأسا على عقب بعد سنوات من ولادته إذ حدثت له إعاقة عضوية جعلته لا يقوى على المشي فأصبح يحبو كطفل في عامه الاول لزهر وصف لنا مأساته قائلا : « لدي إعاقة عضوية أعيش بها منذ سنوات، حياتي ليست كالآخرين فأنا لا أمشي وما يحز في نفسي أكثر هو أنني أحس أنني أصبحت عبئا ثقيلا على كاهل والدتي التي ناهز عمرها ال 70 حاليا وكذلك والدي البالغ 76 سنة وعوض أن أكون لهما سندا في الكبر أجد نفسي مصدر معاناتهما» ويستطرد لزهر مضيفا تضطر والدتي لحملي على ظهرها مرات كثيرة عندما أذهب الى المستشفى وهي التي أجرت عملية على الرئة وتعاني من أمراض بحكم تقدم السن والدي بدوره لا يبخل علي بالمساعدة رغم كبر سنه. معوقيْن في عائلة عبد الناصر العيادي هو الآخر يتجرّع من كأس الآلام يوميا هو أصيل مدينة جندوبة موظف بمكتب البريد لا يذوق طعم الراحة فهو أب لولديْن معوقيْن وهما وائل ومحمد الطيب ولنا أن نتصور حجم معاناته تحدث إلينا بعبارات تخنقها الدموع وقال «لدي ولدين على قدر كبير من الذكاء ونتائجهما الدراسية توحي بذلك ولكن لديهما مشكلة صحية ناتجة عن مرض في الأعصاب وهما غير قادريْن عن الحركة وأتحمل أنا وزوجتي مسؤولية الاهتمام بهما وحملهما الى المستشفى. محدثنا عبد الناصر كان يبتلع غصته بين الحين والآخر محاولا مواصلة الحديث معنا «تعبت من التردد على الأطباء والمستشفيات خاصة وأن إمكانياتي محدودة وأن حالتهم تتطلب أن أحملهم الى تونس كل 6 أشهر وأكتري لهم سيارة خاصة ولا أنكر أنني في بعض المرات تضطرني الظرو لعدم إجراء الفحوص لأنني لم أعد قادرا على مجابهة المصاريف». مرض ذهني لمياء. ح هي الاخرى تذوق كما تقول يوميا المرارة وهي ترى إبنتها ذات السنتين لم تمشي بعد ولم تتكلم مثل بقية الاطفال لمياء حدثتنا بحرقة قائلة «طفلتي كانت عرضة لحادث أثناء الولادة حيث جذبت بقوة ما أحدث لديها خلع في الاعضاء ومن يومها وأنا أعاني الويلات وأعاني تبعات خطأ طبيبها ولئن تتحسن حالتها ببطء ولكنها الآن لا تجلس ولا تتحرك وتظل يوما كاملا في وضعية النوم» وتتقطع العبارات بلمياء لتردف بعدها وتضيف حياتي تغيرت منذ ذلك اليوم ولم يعد للسعادة طعم في حياتي لأنني أصبحت أقضي معظم وقتي بين حصص التدليك وعيادة الطبيب وحتى عملي لم أعد قادرة على التركيز فيه وهو ما أثار لي المشاكل خاصة بسبب التأخير في المباشرة صباحا ومن يدري بحجم معاناتي يعذرني فأنا أقضي في الصباح ساعات لأنظف إبنتي وأطعمها قبل أن أخرج» رحلة الشقاء كتبت على فاطمة بدورها ولكن مأساتها أكبر لأن إبنها الذي يعاني من مرض ذهني وعمرة 15 سنة جعلها تلازمه كظله طوال اليوم بعد أن تسبب لها في حادث خطير وكاد أن يتسبب في حرق المنزل في غفلة منها تقول مشكلتي تتجاوز السهر على حاجياته اليومية وتتعدى ذلك للخوف من أي أذى قد يلحقه بنفسه أو بإخوته فهو غير قادر على التمييز أعيش في رعب دائم حتى عند النوم خوفا من أن يستفيق وتحدث مأساة