«مخاطر الختان العشوائي في تونس و سبل الوقاية والتقاضي من الناحية الطبية الشرعية و المسؤولية الطبية ومسؤولية الخاتن سواء كان خاتنا تقليديا (طهّار) أو طبيبا او شخصا ضمن اطار شبه طبي ومخلفات ونتائج الختان العشوائي من الناحية النفسية والطبية وطرق التقاضي في مثل هذه القضايا ودور الطبيب الشرعي في تقييم الأضرار الناجمة عنه». كل هذه المحاور الطبية والقضائية كانت على طاولة النقاش ضمن ندوة الأيام الثالثة الطبية الشرعية في تونس «عبد العزيز العشام» نظمها مخبر الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة بالتعاون مع اعدادية الطب الشرعي وطب الشغل والجمعية التونسية لجراحة الأطفال والجمعية التونسية لجراحة المجاري البولية». وحضر أشغال هذا الملتقى الذي التأم بأحد نزل العاصمة وتحت اشراف وزارة الصحة العمومية رؤساء أقسام الطب الشرعي بكل من صفاقس وسوسة والمنستير والدكتور عبد العزيز بن حركت رئيس مخبر الطب الشرعي بمستشفى قسنطينة الجامعي وجموع من أهل الاختصاص من أطباء وجراحين. موضوع الختان في تونس مع التطور الذي تشهده العقليات وبحثا عن ختان دون ألم وتفاديا لحصول مضاعفات خطيرة يلجأ التونسي اليوم لاجراء عملية الختان لطفله داخل فضاء طبي وعلى يد أطباء مما جعل من دور الخاتن التقليدي مهنة في طريقها للاندثار لتتحول عملية الختان الى تدخل جراحي بأتم معنى الكلمة. الختان التقليدي في أشغال الندوة تحدث المختصون في هذا المجال عن الختان بمفهوميه الطبي والديني. فهناك نوعان من الختان ختان طبي أكد الأطباء انه يكون مفروضا من ناحية طبية بحتة، فيما يكون الختان الديني وهو المعمول به في الديانتين اليهودية والاسلام أمرا مفروضا منه للانتماء لهذه الديانة أو تلك وإن كانت الديانة اليهودية تفرض شخصا معينا يكون يهوديا بمفهومه الدين اليهودي، توكل له هذه المهمة دون غيرها فإنه في الديانة ا لاسلامية وتحديدا في تونس كانت توكل مهمة الخاتن للحلاق أو الطهار العربي في العقود التي خلت ومع تطور الزمن ودخول مهمة الطهار العربي في مرحلة الاندثار يلجأ المواطن للطبيب وللهياكل شبه الطبية للقيام بهذه العملية، حيث أن أغلب من يقومون بها اليوم هم الممرضون أو أطباء الطب العام أو الاختصاص، ويكون إطار العملية في البيت أو الجامع أو المصحة أو داخل مستشفى. تدخل جراحي وفسّر المتدخلون في الندوة كيف أن عملية الختان اليوم أضحت تدخلا طبيا بأتم معنى الكلمة حيث أن المختون يخضع للتخدير ولم تعد العملية مجرد عملية طهارة فحسب بل تخضع عملية التدخل الجراحي لنفس نواميس وقوانين التدخل الجراحي في أي مجال ثان وقدم الدكتور سمير معتوق رئيس قسم الطب الشرعي بصفاقس أرقاما ودلالات تشير الى حدوث مليوني عملية ختان في العالم كل عام وذلك بمعدل 28 عملية ختان في الدقيقة الواحدة كما أشار في تدخله الى حالات ملموسة لحوادث سببها الختان في البيت بحيث تضرّر من أحدها طفل في الخامسة من العمر حيث أخطأ الخاتن وبتر نصف عضو الطفل، وقد قضت المحكمة بسجن الخاتن 6 أشهر وبخطية قدرها 160 مليونا لفائدة الطفل. أخطار الختان التقليدي أي خطر يمكن أن يسببه الختان التقليدي ؟ حول هذا الموضوع تحدث المتدخلون عن النزيف الحاد الذي يمكن أن يؤدي الى الموت إذا ما أخطأ الخاتن التقليدي (الحجّام أو الطهار) في عملية الختان وأصاب العروق، وكذلك التعفن الذي يمكن أن يحدث مباشرة إثر عملية ختان تقليدية وكيف أن العائلات لا تلجأ للتقاضي في حال حدوث خطإ ما أو مضاعفات بعكس ما قد يحدث حين يكون الخاتن طبيبا. وأشار المتدخلون الى تكلفة عملية الختان التي يتراوح معدل تكلفتها بين 200 و300 دينار حين تكون على يد مختص وهي تكلفة تدفع بالبعض للجوء الى الطهار التقليدي أو الختان الجماعي. الختان الجماعي هل يمكن أن يؤثر الختان الجماعي على عملية الختان؟ نعم بصورة أو بأخرى رآها أحد أطباء الاختصاص أنها عملية قد تنجر عنها أخطاء وخاصة في ليلة 27 من رمضان حين يفاجأ المستشفى بقدوم 120 طفلا دفعة واحدة للختان وهو ما يشكل ضغطا على الطبيب والفريق الطبي العامل معه، مصرا على كون عملية الختان (هي عملية تدخل طبي) بحت كأي تدخل جراحي ثان يجعل منها عملية حساسة وتتطلب الدقة والانتباه والحذر. الفرق بين «الطهار» والطبيب أي فرق بين «الطهار» التقليدي الذي عرفناه طيلة العقود التي خلت والطبيب الخاتن؟ وأي فرق بين مقصّ الحجام والمقص الكهربائي؟ عن هذا السؤال الذي طرحته «الشروق» أجاب ووضّح الدكتور المنجي زهيوة الطبيب الشرعي والأستاذ المبرز بالقول: «هناك فرق كبير قديما وحين كان يقوم الطهار التقليدي أو الحجام بعملية ختان وتحدث انعكاسات لا تتم مراقبتها ومتابعتها مثل اليوم بحكم عدة عوامل أغلبها أن العائلة لا تلجأ للتشكي بل وتكتم الحادثة عن الجميع حتى عن المحيطين المقربين بالعائلة بعكس ما يحدث حين تكون عملية الطهارة لدى طبيب أو مختص هنا توجد جهة مهيكلة مسؤولة.. فالطبيب حين يختن طفلا يضع مسؤوليته الطبية في الأمر واسمه ومستقبله المهني. أما بخصوص المقص فالفرق كبير. المقص التقليدي أو بالأحرى مقص الطهار له انعكاسات جدّ سلبية على الطفل المختون و بإمكانه أن يتسبب في تعفن العضو المختون كما يمكن أن يتسبب أيضا في نزيف دموي، بعكس المقص الكهربائي (بالليزر) فهو ايجابي إذ يساهم في حينها في اغلاق الجرح ورمرمة العروق الدقيقة بحيث أن النزيف يصبح مستحيلا لكن له مخاطره عند اساءة استعماله إذ بإمكانه أن يتسبب في حروق خطيرة. سبل الوقاية سبل الوقاية في الختان من الناحية الطبية الشرعية وطرق الختان والتقنيات المثالية المعتمدة كانت من أبرز محاور اليوم حيث قدّم الأطباء من أهل الاختصاص الطرق العلمية المعتمدة بحثا عن تكوين شامل ودقيق للأطباء الممارسين لهذه العملية (عملية الختان) حيث تسعى الأطراف المتدخلة إلى مزيد تقنين هذا الاختصاص بتكوين اضافي للطبيب وخاصة الأطباء الذين يمارسون هذا التدخل (أطباء طب عام أطباء جراحة الأطفال وأطباء جراحة المجاري البولية)لمزيد التعمّق بحيث تصبح عملية الختان موكولة لهم دون غيرهم لتفادي حدوث أخطاء أو انعكاسات صحية لمن لا يتمتعون بالخبرة الكافية للقيام بالعملية. مخلفات الختان العشوائي خلال الندوة تم عرض عدد من الحالات التي تسبب فيها الختان العشوائي في حدوث انعكاسات صحية خطيرة، انطلقت من الحروق والاضرار بالعضو المختون إلى البتر. حيث ان قضية عرفتها أروقة محكمة بالجنوب التونسي أشارت إلى خطإ طبي في عملية الختان أدى إلى بتر العضو الذكري للطفل. وفسر المتدخلون أثناء عرض هذه الحالات المصورة إلى التأثيرات النفسية على المختون عند مرحلة الطفولة وحتى الكبر حيث ان حياته الجنسية قد تصبح منعدمة وتحدثت من الناحية النفسية الطبيبة النفسانية ريم الغشام عن هذه المضاعفات وتأثيراتها كما تم التحدث عن التأثيرات الملموسة من الناحية الطبية. الاجراءات القانونية الاجراءات القانونية في الختان «التقاضي والاختبار الطبي لتحديد المسؤولية» هو محور المداخلة التي قدمها القاضي «كمال العياري» حول الاجراءات المعتمدة اليوم في طرق التقاضي عند حدوث خلل ما أو انعكاسات على المختون وعلاقتها بالاختبار الطبي الذي قدمه الدكتور المنصف حمدون رئيس مخبر الطب الشرعي بالعاصمة وأهمية هذا الاختبار لتحديد المسؤولية الطبية. التجربة الجزائرية «العملية اليوم أضحت مقننة وتخضع للمسؤولية الطبية» هكذا تحدث ل«الشروق» الأستاذ عبد العزيز بن حركت رئيس قسم الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي قسنطينةبالجزائر عن التجربة الجزائرية في هذا المجال. مضيفا: «في الجزائر اليوم وفي المدن أضحت العملية مقننة هناك منشور واضح يمنع منعا باتا عملية الختان خارج الاطار الطبي ويعاقب مرتكبها ضمن فصل عدم الامتثال لقواعد منشور وزارة الصحة بمعنى أن كل عملية ختان اليوم في الجزائر تجرى داخل إطار أو مؤسسة استشفائية إلا من بعض الحالات القليلة في الأرياف البعيدة ونسعى اليوم لجعل هذا المنشور فصلا قانونيا من خلال بعث قانون كامل لعملية الختان حتى يصبح مقننا في كامل مراحله، بهذه الطريقة نحمي المختون ونضمن حقّه في حال حدوث خطإ ما. اختلفت الآراء واختلفت الردود إلا أنها كانت تسير في اتجاه واحد هو تقنين عملية الختان في تونس وبعث أطر لتكوين إضافي للأطباء الذين يمارسون هذه العملية لمزيد تكوينهم وتأطيرهم لتفادي حدوث أخطاء من خلال ما تمّ تقديمه من عينات كانت أخطاء لها تأثيرات جدّ خطيرة وصلت ببعض الحالات للبتر الكلي للعضو المختون. ولم تنقص أشغال الندوة إلا حضور خاتن تقليدي (طهّار) لسماع شهادته في هذا المجال.