تونس (الشروق) محسن عبد الرحمان الأزمة التي تعيشها قاعات السينما في تونس، وقطاع الاستغلال والتوزيع السينمائي عموما، لم تقدر على اثناء عشاق السينما عن مواصلة الاستمتاع بآخر إبداعات هذا الفن وأحدثها فيلم «2012» الذي يلاقي حاليا إقبالا منقطع النظير، سواء في أمريكا وأوروبا أو في بعض الدول العربية مثل مصر والأردن اللذين نجحا في عرض الفيلم في نفس التوقيت مع أمريكا وأوروبا. وإذا كان جمهور السينما في هذه البلدان قد استمتع بمشاهدة الفيلم على الشاشة الكبيرة خصوصا وأنه يتضمن مشاهد مبهرة استعملت فيها أحدث تقنيات المؤثرات الخاصة، فإن الجمهور التونسي، وإن لم تتوفرلديه نفس الدرجة من الاستمتاع، نجح بدوره في مشاهدة الفيلم بعد الحصول عليه من محلات النسخ الرقمي أو «القرافير». والبركة كما يقال في القراصنة، ولو أن عملهم غير شرعي ويتنافى مع قانون الملكية الأدبية والفنية. نهاية السينما ورغم رداءة النسخ المقرصنة المتوفرة حاليا في محلات النسخ الرقمي أو «القرافير» فإن الاقبال على الفيلم يبدو كبيرا حسب أقوال أصحاب هذه المحلات، ويعود الاقبال حتما الى الشهرة التي كسبها الفيلم بعد النقاشات التي أثيرت حوله إذ يطرح كما هو معلوم موضوع نهاية العالم، والأخطر تحديد تاريخه يوم 21 ديسمبر 2012، وهو موعد كما يبدو قريبا جدا، ومن هنا نشأت حالة الفزع أو الرعب لدى العديد ممن شاهدوا الفيلم اعتقادا منهم أن العالم قد ينتهي بعد ثلاث سنوات. وينطلق الفيلم في تحديده لتاريخ نهاية العالم من نبوءة لحضارة المايا (2000 سنة قبل الميلاد) المنقرضة في أمريكا اللاتينية تعتقد أن العالم سينتهي في 21 12 2012. ويستعين المخرج في تأكيد النبوة في الفيلم بمعطى علمي يكتشفه أحد العلماء الهنود في منجم عميق بالهند، ويتمثل في ارتفاع درجة حرارة باطن الأرض نتيجة الانفجارات الهائلة على سطح الشمس. حكاية الفيلم وتبدأ أحداث الفيلم في أحد المناجم بالهند عام2008 حيث يلتقي عالم الجيولوجيا الأمريكي أدريان بزميله الهندي في نفس الاختصاص مطلعا إياه على دلائل على ارتفاع درجة حرارة باطن الأرض بتوتر الظاهرة في أمكنة عديدة أخرى من العالم وفي نفس الوقت، يسارع العالم الأمريكي بإعلام البيت الأبيض ثم الرئيس الأمريكي الذي يجتمع بدوره برؤساء الدول الثماني الكبرى في العالم لاطلاعهم على اقتراب نهاية العالم، والاتفاق على خطة لإنقاذ البشرية، ومن هنا يبدأ العد التنازلي لنهاية العالم، بدءا من بناء المركبات الفضائية التي ستقل ما سمى من البشرية وصولا الى تفاقم الزلازل وفيضان المحيطات، ثم انقلاب القطبين الشمالي والجنوبي. وهكذا ينتهي العالم القديم ليحل بدله عالم جديد ولكن بعدد ضئيل جدا من السكان. الى هذا الحد تبدو حكاية الفيلم، على عكس ما أثاره، عادية بل مألوفة. وقد تناولتها السينما في إنتاجات عدة منها فيلم «اليوم الموالي» للمخرج ذاته رولان إيمرشي صاحب «2012». كما جاءت في بعض الكتب المقدسة التي تحدثت عن الطوفان والنبي نوح... تاريخ نهاية العالم والواضح أن المثير في فيلم «2012»، ليس نهاية العالم، وإنما في تحديد تاريخ نهايته، ودلائل حدوثها بدءا من نبوءة حضارة المايا وصولا الى الدلائل المادية العلمية. إضافة بطبيعة الحال الى المستوى التقني الذي صنع به الفيلم من مؤثرات و«قرافيك»، وهو أرقى ما وصلت اليه تكنولوجيا الصورة في العالم. أضف الى ذلك الدعاية المذهلة التي أقيمت للعمل قبل ظهوره في نوفمبر الماضي. نهاية اتفاقية كيوتو إن المتأمل في تاريخ نهاية العالم حسب الفيلم، يكتشف أن اختيار يوم 21 ديسمبر ليس اعتباطيا لأن هذا التاريخ يوافق كما هو معلوم ما يعرف بالانقلاب الشتوي الذي تشهد فيه السنة أطول ليلة وأقصر نهار. أما 2012 فيوافق موعد انتهاء اتفاقية «كيوتو» التي طالبت دول الجنوب مؤخرا في قمة كوبنهاغن بتمديدها الى عام 2020. وهذه أهم وأخطر رسالة في الفيلم، فيها دعوة واضحة الى استبدال الاتفاقية بأخرى تحدد نسب انبعاثات الغازات الملوثة (ثاني أكسيد الكربون) المتسببة في تغييرات المناخ والاحتباس الحراري واتساع ثقب الاوزون... وترفض الدول الصناعية الكبرى كما هو معلوم وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالامريكية التخفيض من نسبة الانبعاثات المخصصة لها، بالتقليص من نسبة الانتاج لديها. ويذهب الفيلم في تفسيره لاقتراب نهاية العالم الى الاسطورة وحدوث الانفجارات على سطح الشمس بدل الاشارة الى ما ألحقته الصناعة بالبيئة والكرة الارضية. حضارة المايا والاعتقاد في الاسطورة أما نبوءة حضارة المايا التي يشكك كثير من المتخصصين بأن حضارة المايا تتبناها أصلا، فيعود توظيفها في الفيلم، أولا لعودة المجتمع الحديث الى الاسطورة والاعتقاد فيها بعد تهاوي القيم في العصر الجديد، ثانيا ما أثارته هذه النبوءة منذ فترة حتى أن وكالة الفضاء الامريكية «الناسا» اضطرت أن تنفي رسميا الشائعات التي أثيرت مع بداية العام الجاري، والتي أتت في مصلحة الفيلم، إن لم تكن روّجت من قبل صانعيه أو بإيعاز منهم. لم يدمر الكعبة الشريفة ومن الجوانب الاخرى المثيرة في فيلم «2012»، الدعاية المذهلة التي أقيمت له حتى أن الشركة المنتجة (كولومبيا) خيرت عرضه في أوروبا وبعض الدول العربية، قبل الولاياتالمتحدةالامريكية وكندا. كما حرصت على تنظيم عرض خاص للفيلم في مصر تحديدا بوصفها أكبر سوق توزيع سينمائي في الوطن العربي. وقد أشرفت الشركة حتى على تنظيم حفل العرض من تصميم الديكورات حتى الاضاءة. وحتى تضمن الشركة نجاح الفيلم في مصر، لم يتردد مخرجه لحظة واحدة في التنازل عن بعض المشاهد في السيناريو، إذ قام بحذف مشهد سقوط الكعبة الشريفة حتى لا يثير غضب المسلمين. وقد صرح بذلك علنا لوسائل الاعلام الغربية. فقد أبقى على مشاهد سقوط نصب «المسيح المخلص» في ريو دي جينيرو في البرازيل وتدمير الفاتيكان ومعابد البوذيين في التيبت، إلا مشهد الكعبة الشريفة.