تحتفل تونس باليوم الوطني للطفولة الموافق ل 11 جانفي الجاري وفي جعبتها العديد من المعطيات الايجابية والقليل جدّا من سلبيات تظلّ دائما محل دراسة وتقييم من قبل الهياكل المعنية الرسمية وغير الرسمية لا سيما منها البرنامج الوطني لمقاومة العنف ضد الطفل ونشر ثقافة اللاعنف الذي سوف يتواصل الى غاية 2012 لمزيد رصد الظاهرة والبحث في امكانية الحدمنها. والسؤال «ما هي حدود هذه الظاهرة بمجتمعنا وما هيّ مصادر تجاوزات حقوق الطفل ببلادنا؟» عوامل عديدة هي العوامل المتسبّبة في الاساءة للأطفال وممارسة العنف الجسدي والجنسي والنفسي واللفظي ضدهم علاوة عن الإهمال المتعمّد من قبل الوالدين وغيرها من الاشكال التي تؤدي الى حدوث أضرار تمتدّ أثارها الى الحاضر والمستقبل. وتتوزّع هذه العوامل الى عوامل أسرية ذلك أ ن حرمان الطفل من رعاية وحنان الأبوين وانخفاض مستوى الوعي لدى الوالدين والتمسّك بالعادات والتقاليد الاسرية والخلافات الأسرية أو المعاملة التمييزية ضمن الأسر بالاضافة الى الوضع المعاشي للأسرة والتفكّك الاسري وغيرها من العوامل قد تكون سببا وجيها لتنشئة الطفل في نفس كل فرد من أفراد الأسرة. وتوجد أيضا عوامل اجتماعية تتلخّص في علاقة الأطفال بالمجتمع ذلك أن فشلهم في انشاء صداقات مع أقرانهم لاسباب متعدّدة قد يؤثّر سلبا على مهاراتهم الاجتماعية والمعرفية واللغوية ويقلّل من ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين وينمّي مشاعر العنف في نفوسهم. ومن العوامل المؤثّرة أيضا في هذا الباب نجد العوامل الاقتصادية التي تحول دون الوصول الى الرغبات المراد الوصول إليها وبالتالي فإنها قد تؤدي الى اليأس في النفوس وبالتالي اللجوء الى كل الوسائل المباحة في سبيل الوصول الى هذه الرغبات سعيا لحياة أفضل مما ينتج عنفا مختلف الاشكال. ونجد في مرتبة لاحقة العوامل الفكرية والثقافية حيث تلعب الثقافة المجتمعية التمييزية دورا أساسيا في اعتبار العنف في بعض صوره قيمة تدلّ على السلطة و«الرجولة» والتسامح مع العنف باعتباره دليل النخوة والقوّة والقيمة وفي مجتمعات من هذا الصنف ينشأ الطفل على تقبّل العنف بل واضفاء قيمة ايجابية عليه تؤدّي الى اكتساب ثقافة العنف وممارستها لاحقا. وتأتي العوامل الشخصية والنفسية في مرتبة أخيرة من خلال توفّر قابلية للعنف لشخص على حساب الآخر، كما يلعب الشعور بالظلم والحيف والتمييز دورا كبيرا في «شرعية» العنف أو جعله مقبولا وبالتالي التشجيع عليه. أين يعتمد العنف؟ يعتبر المنزل أحد أهم البيئات التي يعيش الطفل داخلها حيث يوجد الأب والأم والاخوة كعناصر قريبة جدا منه وتوفّر له سبل الحماية والاستقرار والتراحم. ويدخل العنف الأسري تحت طائلة المسكوت عنه ويعتبر في أحيان عديدة تأديبا للطفل. وتتفرّع أشكال العنف المسلّط على الطفل من قبل أفراد الاسرة الى رفع الصوت والتأنيب بدرجة أولى حيث كشفت آخر الاحصائيات أن الأب يحتلّ المرتبة الاولى ب 76،6٪ ثم يليه الابناء ب 72،7٪ وتأتي الأم في المرتبة الاخيرة ب 72،1٪ لتحتل المرتبة الاولى ب 41،8٪ في الضرب الخفيف ليليها الابناء ب 40،3٪ ثم الأب ب37،7٪. وبخصوص الحرمان من الخروج يتصدّر الابناء القائمة ب 35،1٪ تليهم الأم ب32،9٪ ثم الأب ب 25،8٪. وفيما يتعلق بالحرمان من المصروف يحتل الأب مرتبة الصدارة ب 32،6٪ ويليه الابناء ب27،1٪ ثم الأم 19،4٪. ويحتل الأب مرتبة الصدارة في الضرب الشديد ب 30،7٪ ثم الابناء 19،9٪ ثم الأم 16٪. ويحتل الأبناء مرتبة الصدارة في طرق أخرى للعقاب ب 10.6٪ تليهم الأم ب 7.4٪ ثم الأب ب 6.6٪. ونلاحظ مدى تأثير الثقافة الاجتماعية على العنف المسلّط على الطفل حيث نجد الأب في مرتبة الصدارة في العنف الشديد والحرمان من المصروف وهي لها علاقة بسلطة الأب و«الرجولة» داخل مجتمعاتنا العربية الاسلامية. تجاوزات تعتبر المدرسة مؤسسة تنشئة اجتماعية أساسية وإطارا حاميا للطفل ينشر القيم الانسانية النبيلة والمعرفة والثقافة الاجتماعية وهي الاطار الذي يقضي فيه الاطفال أطول فترات وقتهم. ورغم ندرة الدراسات والبحوث المتخصصة فإن المتوقع أن ممارسة العنف ضد الاطفال في المدارس تتفاوت حسب الجنس والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والفكري للطفل وفي أحيان أخرى بمستوى الصعوبات التعليمية للاطفال أو نوع الاعاقة التي يحملونها فكثيرا ما تكون أنواع المضايقة سواء من قبل التلاميذ أو العاملين في المؤسسات التعليمية مرتبطة بالتمييز. ولعل وجود هذا العنف من بين الاسباب التي تفسّر وقوع بعض الاطفال في صعوبات تعلّمية أو جزء من التسرّب المدرسي ووقوع البعض من الاطفال في نزاع مع القانون كما لاتزال فكرة العقوبة الجسدية حاضرة في ذهن بعض المربين كإحدى وسائل التربية التقليدية التي أثبتت جدواها في الماضي مما قد يبرّر استمرار استخدامها من طرف البعض أو تسامح البعض مع من يستخدمها. وعموما سوف يكشف البرنامج الوطني لمقاومة العنف ضد الطفل ولنشر ثقافة اللاعنف الذي تشرف على إنجازه وزارة شؤون المرأة والاسرة والطفولة والمسنين عن عديد التطورات في ظاهرة العنف المسلط ضد الطفل مستقبلا.