حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يواصل صاحب المذكّرات الحديث عن مؤتمر بنزرت سنة 1964 وكيف كان قبول المؤتمر للوثيقة الفكرية التي قدّمها بن صالح قبولا ايجابيا اضافة الى أن تثمين المخطط الانتقالي الذي دام ثلاث سنوات (من 1961 الى 1964) كان بالاجماع... وهنا وبعد أن تناول «سي أحمد» ملف مؤتمر بنزرت الذي أصبح بعد الحزب الحر الدستوري يحمل تسمية الحزب الاشتراكي الدستوري، سألته عن «التعاضد» وكيف سارت الفترة التي شملت التعاضديات الفلاحية والتعاضديات التجارية اي قبل ان نصل الى فترة آخر الستينات حين أقرّ بورقيبة التعاضد بالتعميم... وهنا فضّل «سي احمد» بن صالح التوضيح، علىان يقدّم أحداثا فقال: «لماذا التعاضديات في المجال الفلاحي؟ لماذا اعتمدناها؟» وقبل الاجابة عن هذين السؤالين اللذين وضعهما بنفسه يقول: «في السياسة الفلاحية، تساءلنا عن الشيء الذي كان يستحق عناية ربما أكثر من الميادين الاخرى، فوجدنا كما أشرت لماما الى ذلك من قبل ان الفلاحة التونسية تعاني من ثلاثة مشاكل: أولا : تشتت الملكية ملكية الارض. ثانيا : وضعية الاراضي الاشتراكية (هي في الحقيقة ليست اشتراكية بالمعنى العصري للكلمة بل تمتلكها قبائل) وهذا النوع من الاراضي، متروك للخصام بين أعضاء القبائل وبالتالي لا تُستعمل... ثالثا : بالنسبة للزياتين فقد كانت تعاني من شيخوخة في أكثر من مكان. هذا اضافة الى موضوع المناخ والأمطار... التي تساعد الزيتون على النمو... هذه أهم مشاكل الفلاحة التونسية، أما الأولويات فإن المتأكد منها هي وضعية الشمال الغربي، حيث كان عدد المعمّرين (المستعمرون) كبيرا جدا، وبينما الشمال الغربي لا ينتج الا القمح... وقبل الاستقلال وتحديدا منذ خطاب مانديس فرانس،فهم المعمّرون ان عهدهم انتهى، وباشروا بطرد آلاف العمّال في الاراضي الفلاحية، أولئك الذين جاء منهم الى تونس سنة 1955 ولما كنت على رأس الاتحاد ووقعت لي تلك القصة مع رئيس الحكومة السيد الطاهر بن عمّار... حيث أخذته اليهم في نهج سيدي علي عزوز حيث كانوا مرابطين أمام الاتحاد، يتضوّرون جوعا وما كان من رئيس الحكومة وقتها الا ان تفهّم أمرهم... وقد قصصنا المسألة في حلقات سابقة، وكان هناك طبعا عدد من الفلاّحين الكبار من التونسيين الى جانب صغار الفلاّحين الذين كان الكثير منهم يكتري منهم المعمّر أراضيهم الصغيرة وربما يدخل الفلاّح هو نفسه كعامل ليحسّن أحواله لكن الاختلال الكبير الذي كان موجودا بالنسبة للشمال الغربي في ذاك الوقت أي بُعيْد الاستقلال كان الناس لا يجدون في المنطقة الخضر والغلال. باختصار كان أمامنا المظهر الآتي أو هذا المشهد: فلاّحون صغار لا يمكن ان يباشروا الفلاحة السقوية وكبار فلاّحين على غرار المعمّرين يمارسون الزراعات الكبرى، ثم الحدث الأصلي الذي جعلنا في مشكل هو استرجاع العديد من المساحات للأراضي الفلاحية التي كانت عند المعمّرين... هنا فكّرنا في اعادة النظر في نوعية الفلاحة بالشمال الغربي على أساس دراسات مهندسين فلاحيين تونسيين وغير تونسيين وجرّبنا الحلّ بالكاف حيث جمعنا أعدادا من صغار الفلاّحين حول أرض معمّر (فرنسي) ذات مساحة كبيرة، وهي أرض مسترجعة وقلنا الحل في تنويع الانتاج وتمكين صغار الفلاّحين من مباشرته ان يتجمّع هؤلاء الفلاحون الصغار حول الأرض المسترجعة ذات المساحة الكبرى وتتكوّن تعاضديات على أساس الاراضي المسترجعة من الدولة وأراضي صغار الفلاّحين»... فما الذي حدث بعد ذلك، هذا ما سنراه غدا إن شاء الله.