حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي الآن وقد شارفنا، عبر هذا الركن على الوصول الى الأزمة، بدأ «سي أحمد» بن صالح يكشف حقائق أغفلها العديدون، ممن كانوا تحت سطوة المناوئين للتجربة، التي يقول عنها «سي أحمد» إنها كانت رائدة... رأي يوافقه فيه العديدون من الداخل والخارج... يواصل صاحب المذكّرات وضع أسئلة الحيرة، حول النعوت والتزييف التي رافقت تجربة التعاضد التجاري والفلاحي، ليقول: «لو كان هناك إجبار لأصحاب المتاجر الصغيرة (العطرية) «لماذا اكتفينا بتعاضدية «النجاح» لتونس العاصمة كلها؟.. مواصلا التساؤل ووضع السؤال: لماذا لا يبحث الناس عن الحقيقة.. هذه مهمة الباحثين والمثقفين.. فإذا كانت عامة الناس، تقع تحت سطوة التزييف والأراجيف، فكيف لا يتساءل هؤلاء الذين يعدّون صفوة القوم؟ ثم هناك من عاش التجربة من باب المسؤولية في هيكل من الهياكل، لماذا يتكلّم بعضهم الآن فقط ويكشفون الحقائق..؟ سوف نتناول كل هذه الأسئلة لاحقا... وبالملموس سنرى الحقائق ماثلة، غير تلك التي حاول البعض تسريبها... في مجال التعاضد الفلاحي ولنعد الى نصّ التشريع لم يكن هناك مجال لاعتماد سياسة افتكاك الأراضي من المالكين.. ثم إن التعاضد الفلاحي كان يعتمد الأراضي المسترجعة من المعمّرين (الاستعماريين الفرنسيين) لتكون نواة لعملية التعاضد، حيث يشترك فيها الفلاّحون الصغار أصحاب الأراضي التي بها هكتارات قليلة مقارنة بالأرض المسترجعة، وعندما تنجح التجربة، فإن الأرض النواة، التي أصبحت ملكا للدولة بعد أن كانت مستحوذا عليها المستعمر، توزّع على الفلاحين التونسيين المتعاضدين ويكون التوزيع كالتالي: الفلاّح الذي دخل التعاضدية بأرض مساحتها أقلّ هو الذي ينال النصيب الأوفر من مساحة الارض النواة التي تقسّم عليهم، والعكس بالعكس، اي كلّما كانت مساحة أرض الفلاّح المنخرط في التعاضد أكبر إلا وكان نصيبه أقل عند توزيع الأرض.. أي أن المتعاضدين هم المستفيدون... وقد ذكرنا هنا، عبر هذه الحلقات، كيف ان اليوغسلاف (عهد تيتو) عدّلوا طريقتهم في المجال، ليعتمدوا الطريقة التونسية، بعد أن حلّوا تعاضدية الدولة هناك... وذكرت لك، كيف ان حسّان بلخوجة، وعلى إثر عودته من بلغراد، تحدّث بإطناب عن إعجاب اليوغسلاف بتجربة التعاضد في تونس... وأعيد وأقول، وأنا أتحمّل مسؤوليتي في هذا، إن الدولة وفي مجال التعاضد الفلاحي، دخلت المنظومة بأراض مسترجعة من المعمّرين، وأنها من المفترض، ان توزّعها على المتعاضدين بعد نجاح التجربة..». ويواصل «سي أحمد» توضيح هذه المسألة: «عندي تلغرام من معتمد في جهة الكاف، بعث بها الى الرئيس بورقيبة وأرسل إليّ نسخة منها، يقول فيها: «لقد كوّنت خمسين (50) تعاضدية فلاحية في هذه المدة القصيرة..». وبعد برهة من التفكير في صمت واصل صاحب المذكّرات حديثه بالقول: «ردّة الفعل السلبية كانت من الناس الذين اعتبروا ان بن صالح حرمهم من أراضي المعمّرين.. فقد كانت «عينهم عليها» (قالها بالدارجة)... نحن قلنا ونادينا بتجديد الفلاحة وتنويعها... فأين الاجبارية في القانون من القوانين، ونفس السؤال نضعه تجاه قانون الاصلاح التجاري... ففي مجال المحلات التجارية، كان هاجسنا تنظيم القطاع واعتماد نواميس النظافة فقد كان صاحب المحلّ، الذي يبيع المواد الغذائية العامة، يستعمل نفس السكين لقطع الصابون والخبز، بعد أن يعمد الى مسح السكين بخرقة... هذا ما كنّا نحاربه، وذكرت لك، كيف انتشرت دكاكين بيع المواد الغذائية في كل مكان، بعد أن عرفت العاصمة وعدّة مدن كبرى نزوحا كبيرا من حيث العدد، للعمال الفلاحيين الذين كانوا يعملون في الأراضي الفلاحية».. ولكي يوضّح الأمر في مجال التجارة والمحلاّت لبيع المواد الغذائية والاستهلاكية اليومية قال «سي أحمد»: «أردنا تنظيم التجارة من حيث النظافة والصحة وكذلك النزاهة في تحديد الأسعار والتعامل مع الناس... وأنا أقول إن المسألة، مسألة الترويج الى غير الحقيقة والواقع في هذا المجال كانت تنمّ عن أن المسألة منظّمة... فهؤلاء يريدون المحاباة.. فهناك أطراف لها صلة متينة بالسلطة، حاولت الضغط على مدير التجارة والمسؤولين على هذا الميدان.. وفي أكثر من مرّة..».