ليس جديدا على القارئ المتتبع أن يرى الإسلام و قد أصبح حديث الساعة في العالم الغربي قد تعرّض ويتعرّض إلى مختلف أنواع التهجمات و الإعتداءات والتحريفات وكل ذلك عائد على حدّ قول المستعرب المفكر الإسباني الدكتور بيدرو مارتيناث مونتابث «إلى جهل معظم المتحدثين عن الإسلام جهلا كبيرا به و بمحتوياته». إن الغريب و المؤسف أيضا هو أن جهل الإسلام الذي يشير إليه المفكر الكبير ليس محصورا على الغربيين بل يتعداهم إلى الكثيرين من أبناء الإسلام نفسه الذين يفسرونه حسب أهوائهم و هم ليسوا ذوي اختصاص أو يتصرّفون في حياتهم بما يتنافى والإسلام وقيمه فيعطون عنه صورة خاطئة مضرّة. قد تكون هذه من بعض الأسباب التي دفعت إلى إحداث جائزة الرّئيس بن علي العالمية للدراسات الإسلاميّة التي أحرز عليها بالنسبة لسنة 2009 عالم دين كاتوليكي، جامعي من أشهر الجامعيين بإسبانيا، مؤسس وكاتب عام لجمعية خوان 23 لعلماء و عالمات الدين وهو عضو الجمعية الإسبانية لعلوم الدين. إنه الأستاذ الباحث خوان خوسي تامايو الذي نال جائزة الرئيس بن علي عن كتابه القيّم الجامع الذي تطرّق فيه إلى الدين الإسلامي من زاوية لم يلجها قبله غيره من الغربيين خاصّة، فيرى أن الإسلام ثقافة، دين وسياسة فجعل هذا التعريف عنوانا لكتابه. سعدنا بالحديث إلى هذا الباحث و المفكر الكبير صحبة مجموعة صغيرة من أمثاله في مأدبة عشاء أقامها على شرفه سفير تونس بإسبانيا الدكتور رضا كشريد فلمسنا لدى الكاتب ما جاء في مؤلفه من «تكذيب لعديد الآراء عديمة الأسس العالقة بالخيال الإجتماعي و الديني عند الغربيين منذ الحروب الصليبية فيقدّم صورة جديدة عن هذا الدين أكثر صدقا و تناسبا مع جذوره و تماشيا مع آفاق حقوق الإنسان و تناسقا مع الحركات الإجتماعيّة» حسب قول أحد الجامعيين المختصين. إن شهرة الكاتب الباحث خوان خوسي تامايو وثقله في مجال البحوث الدينية و قيمة الجائزة عالميا وأهمية الموضوع وتوقيته جعل مديرة البيت العربي الدكتورة خيما مارتين تنظم حفلا خاصّا لتقديم الكتاب وكاتبه فتم ذلك بقاعة كبيرة من البيت العربي غصّت بالحاضرين وكان أغلبهم من الجامعيين والمثقفين والمهتمين بالإسلام وما إليه. تعدّدت المداخلات. جاءت أولاها من لدن مديرة البيت العربي تلاها سفير تونس الدكتور رضا كشريد الذي أبرز مفهوم وقيمة الجائزة الرئاسية علميا وثقافيا وعالميا وما ترمي إليه من غايات نبيلة ثم هنأ الكاتب وشكره على مجهوده وصدقه. أما المستعرب المفكر الدكتور بيدرو مارتيناث مونتابث فقد أكد الكثير مما جاء بقلم الكاتب الذي قال عنه «إنه يعدّ مرجعا فريدا في مجال الديانة و الحضارة الإسلاميّة انطلاقا من وجهة نظر غربيّة». هذا وقد جاء على لسان أكثر المتدخلين نذكر منهم المستعربة الدكتورة كارمن رويث التنويه بوجاهة الجائزة وأبعادها الإنسانية والحضارية خاصّة وسط المعطيات السياسية الحاضرة وفي ظل النهج الإعلامي وفي خضم الجدل القائم في المنابر العالمية حول الإسلام وما أتى به الإسلام. فالجائزة الآتية من أعلى هرم السلطة التونسية قد أحدثت لتحث المفكرين على إرساء قواعد حوار سليمة بين الثقافات والأديان خاصة السماوية منها. وكيف لا يتكلم صاحب الكتاب وهو نجم الأمسية؟ فقد تحدث عن اعتزازه بما ناله من تكريم الرئيس زين العابدين بن علي ثمّ نوّه باهتمام الدوائر والمصالح المختصّة في تونس بالإسلام وكل ما له علاقة به كما أشاد بما يبذل في تونس من مجهودات من أجل الإسلام والتعريف به وبأبعاده الحضاريّة. وأوضح الباحث خوان خوسي تامايو أن الغاية من نشر الكتاب ترمي إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تروّج عن وحول الإسلام خاصّة لدى الرأي العام الإسباني. وركز المفكر على أن الإسلام ثقافة جامعة جانب منها ديني وآخر اجتماعي و غيره اقتصادي وغير ذلك من كل ما يحتاج إليه البشر لدينهم و دنياهم . فحي على الفلاح وهنيئا لك يا تونس أرض الثقافات وتلاقحها قديما و حديثا كما تجليت في هذه الأمسية الثقافية عالية المستوى في بيت عربي بإسبانيا يعمل على التعريف بالعرب وثقافتهم وبالإسلام ومبادئه الإنسانية السمحاء التي لا تخفى إلا عمّن لا يريد رؤياها و المثل الإسباني يقول: لا أكثر عمى ممّن لا يريد أن يرى.