الجنس، المثلية الجنسية، الشذوذ الجنسي بين الداء والدواء، ماذا يستهوي المرأة في الرجل، كل هذه عناوين ومحتويات ما بث في بعض قنواتنا التلفزية وإذاعاتنا الخاصة في الآونة الأخيرة. انتشرت مؤخرا ظاهرة برامج «الثقافة الجنسية» والبرامج الاجتماعية التي تحاول الخوض في بعض المواضيع الساخنة التي تجلب الجمهور المهووس بالمواضيع الشائكة التي لا تصلح غالبا إلا لغرف النوم وتجبر الكبار والصغار على مشاهدة وسماع كلام صريح في الجنس بهدف استقطاب أكبر عدد من المشاهدين أو المستمعين البداية كانت مع برنامج دائرة الضوء الذي تبثه قناة حنبعل الذي تناول موضوع الشذوذ الجنسي كظاهرة في المجتمع التونسي لا بد من التصدي لها قبل أن تترسخ أكثر في ذهن المواطن إلا أنها وبدون أن تشعر قامت بالتوثيق لهذه الظواهر الشاذة عندما قدمت فتاة «سحاقية» تتحدث عن تجربتها وما الذي جعلها تصل إلى هذه الحالة دون أن تحاول تقديم حل. ثم قدم الأخصائي النفسي المراحل التي يتدرج فيها الشاب ليصل إلى المرحلة النهائية للشذوذ. ما خفي عن المسؤولين عن هذه البرامج أن موضوع الخسي يعتبر قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة ويؤدي إلى نتائج عكسية لأن مجتمعنا غير متعود على تناول هذه المواضيع الحساسة بهذه الجرأة المبالغ فيها والعلنية الاستفزازية. ثم يواصل برنامج «دائرة الضوء» التجول في «دائرة الخطر» واللعب بالنار بتناوله لموضوع وإن كان موجودا في مجتمعنا فإنه يظل حساسا وخطيرا للغاية ولا يمكن تناوله في فضاء إعلامي مفتوح هذا الموضوع هو الإنجاب خارج إطار الزواج أو الأم العزباء لما يمثله من مس لعاداتنا وتقاليدنا حيث قام البرنامج بتقديم حالات ونماذج حية بأسلوب خادش للحياء أثار حفيظة المشاهد الذي لم يتعود على مشاهدة وسماع هذه المواضيع على الشاشة الصغيرة التي اقتحمت حياته وفرضت عليه ما يمكن أن يفسد الذوق العام. السؤال الذي يطرح وبإلحاح ألم يعد أمام هذه البرامج ملفات ومواضيع على مائدة النقاش إلا موضوع الجنس الذي يكاد يصبح مادة يومية. حرج قناة «نسمة تي في» بلغتها عدوى «الجنس» حيث نزل فريق برنامج «ناس نسمة» إلى الشارع التونسي ليسأل عن رأي المواطن في موضوع العلاقات الجنسية قبل الزواج، في تقليد أعمى للبرامج الغربية التي تعتبر هذا الموضوع من العادات اليومية لكن الفرق بين المجتمع العربي والأوروبي مثل الفرق بين السماء والأرض وما يمكن أن يقبله الأوروبي ليس بالضرورة أن يقبله العربي بل يمكن أن يمثل له حرجا وإشكالا لا مبرر له. الإشكالية أن هذا الموضوع (الجنس) يمثل نوعا من المجهول بالنسبة لفئة المراهقين ويسعون لاقتحامه بأي شكل من الأشكال وتناوله في برامج تحظى بشعبية ونسبة مشاهدة محترمة يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية نحن في غنى عنها. إذاعة موزاييك الخاصة أيضا انساقت في هذه الظاهرة وتناولت موضوع الشذوذ الجنسي لمدة 3 ساعات كاملة مررت فيها حالات تحدثت عن شذوذها الجنسي وميلها إلى اللذة الجنسية المثلية. هل يعقل أن نمرّر إلى المستمع أو المشاهد فتاة تونسية مراهقة تتحدث عن ميولاتها الجنسية وتجاربها في عالم «السحاق» وتمرر «طفلا كبيرا» 16 سنة يتحدث عن «اللواط» وعن اندماجه في المجتمع وتقبل زملائه له في المعهد. فوارق ما هو مدى ثقافة وتجربة طفل مراهق حتى نجعله نموذجا أو نقدمه على أساس كونه حالة مرضية هل بلغ مجتمعنا درجة من الوعي تسمح له بالتعامل في هذا الموضوع؟ أما بلغنا مرحلة من الانحطاط والتسيب الإعلامي حتى نفقد القدرة على التميز بين ما هو صالح للبث وما هو غير صالح لذلك؟ لست أنظر للتعتيم الإعلامي وممارسة سياسة الإخفاء والردم لكني ضد أن تفهم حرية الصحافة هذا الفهم الخاطئ والمغلوط فالحرية يجب أن تلتزم بالمبادئ والقيم والأخلاق والعرف السائد ويجب أن يفهم البعض الفرق بين الجرأة والوقاحة والفرق بين الشجاعة في الطرح والإيغال في الإباحية فقد نحتاج إلى برامج الثقافة الجنسية التي تقدم حلولا علمية لهذه المشاكل وبها القدر الكافي من الحياء والحشمة لكن أن يتحول إلى مجرد حديث في الجنس غايته الإثارة فذلك ما لا نرضاه.