أصوات تتعالى من كل مكان، الجميع يتزاحم حود أكداس ثياب وأحذية مستعملة صنّفها الباعة حسب قيمتها المالية وجودتها فمنها ما وضع على طاولات أعدّت للغرض ومنها ما تم الاكتفاء بتكديسه على الرصيف. حالة من التدافع والاكتظاظ مردّها الأمل في العثور على لباس أو حذاء جيّد قبل أن يظفر به الآخرون، الكل منهمك في البحث و«التنقيب» عن ضالّته في هذه الأكداس بعد أن دفعهم غلاء أسعار الملابس الجاهزة والأحذية في المحلات الى الاقبال على الملابس المستعملة. مشاهد تتكرر كل يوم في سوق «الفريب» بباب الخضراء بتونس العاصمة، فبمجرّد حلولك بهذا المكان حتى يتناهى الى سمعك مزيج من الأهازيج والهتافات التي اعتاد الباعة ترديدها لاستمالة الحرفاء وحثّهم على اقتناء بضائعهم متوخّين في ذلك أساليب مختلفة تتراوح بين الدعابة والتغنّي بسعر البضاعة الى حد اعتبار أن الفرصة لا تعاد وأن العرض لا يقبل المنافسة. قطاع حيوي «الفريب» قطاع حيوي وهام يساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية ويمثّل مورد رزق لعديد المواطنين «هذا ما قاله عبد القادر الكرشي 34 سنة الذي يعمل مع والده في محل لبيع الملابس المستعملة «الفريب» ويضيف «هذا القطاع يستهوي مختلف الطبقات الاجتماعية فحرفاؤنا هم من ذوي الدخل المحدود والمتوسط الذين يجلبهم عامل انخفاض الاسعار مقارنة بأثمان الملابس الجاهزة المشطّة وكذلك من ذوي المستوى المعيشي الراقي الذين تستهويهم الماركات العالمية والتصاميم التي لم يجدوها في محلات أخرى.. وفي هذا الشأن تقول ربيعة 38 سنة موظفة ببنك «يوجد في الفريب ما لا يوجد في المحلات الفاخرة وقد اعتدت ارتياد عديد المحلات في أنحاء عديدة من البلاد بحثا عن «موديلات» يصعب ايجادها حاليا». وبخصوص تشغيلية هذا القطاع يقول عبد القادر «تقتات من هذا المحل 3 عائلات ويعمل فيه 3 شبّان». أما المنصف 58 سنة وهو بائع ملابس مستعملة بالجملة فيعتبر أن هذا القطاع بالاضافة الى كونه يراعي المقدرة الشرائية للمواطن التونسي فهو يساعد على تنشيط الدورة الاقتصادية بين تجّار الجملة والتفصيل وشركات استيراد وتصدير الملابس المستعملة. نقائص وتشكيات وتنتشر «نصبات» الفريب في سوق باب الخضراء لتمتد في بعض الاحيان على الأرصفة الشيء الذي نتج عنه تدخل أعوان البلدية في عديد المناسبات لحجز بضاعة التجار ومنع الانتصاب خارج المحلات، ويبدي بعض الباعة قلقهم من هذا الامر حيث يقول عبد القادر في هذا الشأن نحن نحترم القانون لكن طبيعة عملنا تقتضي منا عرض بضاعتنا أمام المحلات نظرا لضيقها ونحن نطالب تفهم البلدية للأمر خاصة وأننا نقوم بدفع الأداءات والضرائب للمصالح المعنية على أحسن وجه». بالرغم من أن قطاع «الفريب» يكتسي أهمية بالغة باعتباره مورد رزق لعديد المواطنين ويساهم في الحد من البطالة و«نعمة » خاصة لذوي الدخل المحدود إلا أن هذا القطاع يشكو من سوء التنظيم حيث يفتقر هذا النشاط الى مكان مخصص لممارسته بعيدا عن المسّ بحقوق أي طرف كان.