تأكيدا لما انفردت بنشره «الشروق» منذ مدة وعلى لسان مصدر عراقي رفيع المستوى ذكر أن أزمة كبيرة قادمة بين حكومة علاوي وإيران. ها هو وزير الدفاع العراقي يؤكد في تصريح خطير لجريدة «الواشنطن بوست» ان ايران تظل البلد العدوّ الأول للعراق، وانها اخترقت أجهزة الدولة العراقية حتى على المستوى الحكومي وهو قد يكون يقصد في هذا المضمار الناطق الرسمي باسم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق. السيد البياتي الذي يضطلع الآن بمهام وكيل وزارة الخارجية الجديدة، على اعتبار ان ولاء المجلس الأعلى الذي يرأسه عبد العزيز الحكيم هو ولاء تام لإيران. وها هو أيضا أحد كبار قادة الجيش العراقي الجديد يؤكد ان ايران اخترقت حتى الجيش العراقي، وهذا طبيعي بما أن أعدادا كبيرة من فيلق بدر التابعة للحكيم انضمت للجيش وقاتلت ضد السنّة في الفلوجة، وحتى ضدّ الشيعة في النجف، حتى ان جماعة السيد مقتدى الصدر ألقت القبض على المئات منهم. وتزامن هذا الهجوم الرسمي على ايران، مع هجوم آخر سبق الهجوم الرسمي جاء على لسان أحد ممثلي السيد مقتدى الصدر وبشكل حادّ جدا، ولئن تم تلطيفه بعد يوم على لسان ممثل آخر للسيد الصدر (أي الهجوم) إلا أنه للسيد الصدر أيضا من الأسباب ما يجعله يعادي ايران لكنها أسباب تختلف عن أسباب هجوم وزير دفاع السيد علاوي. فالصدر ينطق عراقيا أما وزير الدفاع فينطق أمريكيا، ويأتي هجومه بعد صدور التقرير الأمريكي الرسمي عن أحداث 11 سبتمبر، الذي جاء فيه أن ايران سهلت عبور بعض أعضاء القاعدة من أراضيها. وقبل مزيد الخوض في هذا كلّه وجب التذكير بأن ايران تعيش وضعا لا تحسد عليه استراتيجيا، فهي أصبحت مطوقة أمريكيا من جميع الجهات: أفغانستان الذي ورغم محاولات التقرّب من حكامها الجدد بقيت نائية عن ايران حتى بعد أن زارها السيد حامد قرضاي. العراق بعد أن استقرت فيه القوات الأمريكية، ومازالت تستقر فيه مجموعة مجاهدي خلق التي هي عبارة عن جيش كامل العدد والعتاد. تركيا التي تبقى عضوا في الحلف الأطلسي وحليفا استراتيجيا أمريكيا. شطّ العرب الذي تجوبه يوميا طوافات وسفن انقليزية وأمريكية وقد عمد بعض الجنود الانقليز مؤخرا إلى دخول مياهها الاقليمية بقصد التجسّس الواضح وليس بقصد أخذ صور سياحية كما قال السيد جاك سترو. وإضافة إلى هذا كلّه فإن ايران لم تستطع رغم كلّ مجهوداتها أن تحيّد الاتحاد الأوروبي في صراعها النووي مع أمريكا، بل ان موقف الاتحاد يميل كليا إلى الموقف الأمريكي. مما لا يبقي لها نصيرا غير روسيا الواهنة والضعيفة والمتأرجحة. وقد ساهمت ايران من حيث تدري أو لا تدري في خنق نفسها،وكان عليها أن تعي من الأول أن أمريكا لم ولن تقبل بنظام حتى وإن كان شيعيا في العراق، يتحالف معها أو يقترب منها. ولكن يبدو أنها عوّلت على حقائق أخرى لا وجود لها في الواقع، بتعاطف كلّ الشيعة أو أغلبهم معها، وبعلاقات كبيرة جدا لها مع تنظيمات سياسية دينية مثل المجلس الأعلى وحزب الدعوة وغيرهما، ومثل الكثير من المراجع ورجال الدين في الحوزة، ومثل الرهان على ورطة أمريكية في مستنقع عراقي. وغير هذا كثير ولكنه خاطئ للأسف. وبالعودة إلى سياق اتهام وزير الدفاع الايراني كأول عدو لبلاده. وهو في هذا يلتقي من حيث يشعر أو لا يشعر مع صدام حسين بل ويبرّر الحرب عليها أيام حكم صدام. نجد أنه تزامن أيضا مع الغاء تهمة حرب صدام على ايران يوم جلسة وقوفه أمام قاضي التحقيق، وهي التهمة الثامنة التي كان سيحاكم على أساسها. ونزعم أن وزير الدفاع وحكومته تم إعلامهما أمريكيا بأن اسم ايران سيرد كمتهة (وإن بشكل ما) في أحداث 11 سبتمبر وتم الطلب منهما إلغاء التهمة. ثم إن ايران هي الضلع الثاني في محور الشر الثلاثي الذي حدّده الرئيس بوش يوم خطابه الشهير في الكونغرس والضلع يتكون من العراق وإيران وكوريا الشمالية كما هو معروف. إلا أن كل السياسات الايرانية كانت تشير إلى انها لم تكن تصدّق هذه الحقيقة، وانها أخذتها على محمل الضغط، وان زيارات كل من جاك سترو ودومينيك دي فيلبان وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا إلى طهران كانت كافية لضمان تفهم أوروبا على الأقل. والحقيقة أنه لا خطر جدّي من ادراج اسم ايران في تقرير 9/11 فقد سبق أن تمّ حشر السعودية من قبل (مع الفارق طبعا بين طبيعة علاقة الدولتين مع أمريكا) لكن كان يكفي لسعود الفيصل أن يتحوّل سريعا إلى واشنطن ليضع حدا لمثل هذه «الألاعيب» لكن الخطر في اعتبارها من سلطة علاوي كأوّل عدو لبلاده، وهي تهمة كافية لضرب ايران من طرف قوات التحالف كما ينص على ذلك القرار الأخير لمجلس الأمن والذي يفوض لسلطة التحالف ضرب أي بلد يهدّد استقرار العراق. وقد لا تقدم أمريكا على هذه الحماقة، لكن السيف يظل مسلولا، والابتزاز متواصلا، والخطر داهما، مما يربك في أقل الحالات ايران ويشوّش على قرارها السياسي ويجلعها غير عارفة على أي ساق ترقص!