تهدّد الثورة الرقمية وبروز وسائل الاتصال الحديثة من أجهزة هاتف جوّال متعدّدة التقنيات والوظائف وحواسيب مجهزة بمضامين برمجيات تتطوّر بنسق سريع وتتجدّد باستمرار، بعض المهن بالاندثار بل إن العديد من أصحاب المحلات أعلنوا إفلاسهم. فمن هم ضحايا الثورة الرقمية؟ وكيف ساهمت وسائل الاتصال الحديثة في اعلان افلاسهم؟ وما هي الاجراءات المعتمدة من طرفهم لمواجهة شبح الافلاس؟ أوّل ما يشدّك وأنت تتجوّل وسط العاصمة وفي مختلف المدن الداخلية الكبرى بعض محلاّت الهاتف العمومي «تاكسيفون» قد أغلقت أبوابها لقلّة الاقبال في حين تحوّلت بعض المحلات الأخرى الى فضاءات تجارية أخرى أو مطاعم تقدّم الوجبات الغذائية والأكلات السريعة. السيد نبيل صاحب محل هاتف عمومي تحدّث عن حجم تأثير تطوّرات وسائل الاتصال على القطاع قائلا: «نعيش وضعية صعبة فقد هجرنا الحرفاء وقل الاقبال وتراجعت المداخيل بسبب كثرة استعمال الهاتف الجوّال وإستفادة أصحابه من العروض التجارية والتخفيضات على سعر المكالمات والتي تكثر في المناسبات والأعياد». ويُشير السيد محمود صاحب محل آخر «لم نعد قادرين على مواجهة التأثيرات السلبية للثورة الرقمية فقد تراجع الاقبال بصفة مذهلة واضطر البعض الى الاستغناء عن بعض العمّال ليحافظ على مورد رزقه وليتمكن من توفير أجرة الكراء ولمجابهة مختلف المصاريف الأخرى». قطاعات أخرى ولا يقتصر التأثير على محلات الهاتف العمومي بل يشمل قطاعات أخرى فالسيد محمد صاحب محل للتصوير تحدث بشعور بالاستياء: «تراجع الاقبال بشكل كبير وخسرنا حوالي 70٪ من مداخيلنا بسبب كثرة استعمال صور وكاميرا الهاتف الجوّال... حتى في مناسبات الافراح والأعراس أصبحت العائلات تعتمد على هذه التقنيات الجديدة التي حلّت محل المصوّر التقليدي. وأضاف: «أغلب الحرفاء الذين يأتون الى محل التصوير دافعهم إلتقاط صور لاستعمالها في استخراج بعض الوثائق الادارية الرسمية مثل بطاقة التعريف الوطنية أو غيرها ما عدا ذلك فإننا نعاني هجر الحرفاء وتراجع الاقبال». ويكشف السيد مختار صاحب محل لاصلاح آلات التصوير حجم تأثير التطوّرات التكنولوجية على مهنته قائلا: «في هذا الوقت لم يعد أحد يأتي لاصلاح آلة التصوير بسبب ما وفرته وسائل الاتصال الحديثة من كاميرا وتقنيات متطوّرة، لقد أصبحت المهنة تحتضر ولم تعُد قادرة على توفير مورد رزق يتماشى مع متطلبات وضروريات الحياة العصرية. ويؤكد السيد خميس (مسؤول بمحل لبيع أشرطة «الكاسات»): «شبكة الانترنات ومشغلات الموسيقى MP3 التي تحمل تصميما مذهلا وصوتا رائعا وخيارات توصيل مريحة تهدّدنا بالإفلاس لقد تراجعت قيمة أشرطة «الكاسات» وتركت المجال لهذه التقنيات الحديثة التي تستعملها الفئات الشابة خاصة». ويتابع: «تراجع الاقبال على شراء الأشرطة وانخفضت أرباحنا وبتنا مهدّدين في قوتنا وفي مصدر رزقنا». حتى السينما الثورة الرقمية ألقت بظلالها أيضا على القطاع السينمائي فكثرة استعمال ال «DVD» لمشاهدة الأفلام الحديثة أدت الى عزوف الحرفاء عن الذهاب الى قاعات السينما التي أصبحت شبه مهجورة ممّا أدى الى إغلاق العديد من هذه القاعات وأعلنت إفلاسها. كما تسبّبت في تراجع الاقبال على اقتناء أشرطة الفيديو التي أصبحت «موضة قديمة» وألحقت أضرارا بأصحاب محلات اصلاح وبيع الساعات اليدوية والحائطية في ظل كثرة الاعتماد على توقيت ومنبّه أجهزة الهاتف الجوّال. كما أن المنادي للسحور في شهر رمضان الكريم لم يعد له أي دور في زمن الثورة التكنولوجية لأن وسائل الاتصال بمختلف أشكالها من جهاز تلفاز وهاتف جوّال والحاسوب وتدعم الارتباط بشبكة الانترنات في المنزل تفرض على الصائم عدم النوم والسهر لساعات طويلة وبالتالي لم يعد في حاجة الى من يُوقظه لتناول السحور. لكن ما هي الحلول لمواجهة هذه التأثيرات. تغيير «الجلدة» ولتفادي التأثيرات السلبية لمختلف وسائل الاتصال الحديثة سعى البعض الى تغيير «جلدتهم» تماشيا مع متطلبات وتقلبات الحياة من ذلك أن بعض قاعات السينما تحولت الى فضاءات لبيع الملابس الجديدة والمستعملة. أما أصحاب محلات بيع أشرطة الكاسات فباتوا يحرصون على توفير سلع أخرى مثل «إكسسوارات» الهاتف الجوّال ومشغلات الصوت والأقرصة المضغوطة للتعويض عن الخسائر التي فرضتها عليهم الثورة الرقمية. أما مراكز الهاتف العمومي فإن بعضها تم اغلاقها من طرف أصحابها بينما اضطر البعض الآخر الى تحويلها الى محلاّت توفر الأكلات السريعة. تنامي الهجرة أفضت ثورة وسائل الاتصال الحديثة من حيث التوزيع الجغرافي الى تنامي حركة الهجرة الداخلية والخارجية سعيا للبحث عن فرص عمل بديلة وتغيرت خريطة استقطاب القطاعات للعملة فتم الانتقال من العمل في القطاع الفلاحي الى الصناعي فالخدماتي. وإضافة الى اندثار مهن وظهور الحاجة الى مهن أخرى والتحوّل من مهنة الى أخرى فإن بروز الوسائل التكنولوجية الحديثة أدّى الى تغيير نمط وأسلوب الاستهلاك أيضا. وهذه قضية أخرى.