برنامج القنديل الثاني يهتم بمن كتبوا الرواية. هذا الأسبوع سيدخل القنديل الثاني داخل الرواية. رواية جميلة تضيء اكتئاب القلوب، ومشكاة في فتحة الأمل. عز الدين قنون، ليلى طوبال وفريق «آخر ساعة» وبدعوة من مدير مسرح القصبة ومهرجان المنارة في رام الله، زاروا الأرض وقاموا بمغامرة خاصة ستكون روايتنا اليوم يرويها عز الدين قنون. زار فريق آخر ساعة رام الله لتقديم عرض، وعلى الجسر رفض الفريق أن يختم العسكري الاسرائيلي على جوازاتهم حسب ما تنصه اتفاقيات أوسلو. وبصعوبة وبكثير من الشجاعة تمكنوا من الحصول على ما طلبوه. وقد كتب الأديب وليد ابو بكر. في جريدة الأيام الفلسطينية، كلمة تحية لموقف الفريق التونسي جاء فيها (معظم النار من مستصغر الشرر.لسنوات عديدة لم يكن حامل تصريح الزيارة على الأرض المحتلة يخضع لابتزاز الختم حسب اتفاقيات أوسلو، وكانت حجة الذين يرفضون التطبيع في قبول استضافة الناس من الخارج. تغير ذلك فجأة. ولم يحتج أحد، لكنني عندما عايشت احدى الحالات، شعرت بأن هذا العمل الذي يبدو صغيرا، يخفي ما هو أكبر. أنا مقتنع أن ذلك كان جس نبض لقرار التطهير العرقي الذي يلقى المقاومة اليوم.,, سلوك الاحتلال واضح يبدأ بحركة صغيرة، قد لا يكون عليها احتجاج كبير، ثم يوسعها حتى يقدم على الضربة القاضية) على طريق الآلام حيث حمل المسيح صليبه والشوك في قدميه. � هل توقعت هذا النجاح لمسرحية آخر ساعة لدى الجمهور والنقاد؟ لا أتوقع أي شيء لأعمالي، أترك الأعمال تتلاقى مع الجمهور لتلقى القبول الذي تستحق, آخر ساعة عمل يعبر عن نضج المرحلة الأخيرة لمسرح الحمراء، على مستوى الكتابة والكتابة الركحية، والتي أتت بعد عشر سنوات من تكوين المركز العربي الإفريقي, والذي أغنى طريقتي في ادارة الممثل بالأساس، انطلاقا من معرفتي واكتشافي للجسد العربي الإفريقي على الخشبة, وربما سبب نجاح «آخر ساعة» في بساطة كتابتها التي خاطبت الحس وانطلقت منه. � كنتم في رام الله، من أي طرف كانت الدعوة؟ الأستاذ جورج ابراهيم، مدير مسرح القصبة ومهرجان المنارة المسرحية، وجه لنا الدعوة وقبلناها وبكل سرور، وأعلمناه في جلسة جمعتنا أن حلمنا أن نقدم عرضا في فلسطين، لكن على شرط أن لا يختم على جوازاتنا وأننا نعلم أن ذلك ممكنا، وافق على طلبنا متفهما، ووعدنا بأنه سيهتم بذلك. � كيف كانت اجراءات السفر؟ وجه جورج ابراهيم الدعوة باسم مسرح الحمراء الى وزارة الثقافة، التي زودتنا مشكورة ببطاقات السفر. وأعلمتنا بالتحول الى رام الله. عند وصولنا عمان استقبلنا ممثل سفارة فلسطين أعلمناه أنه لا يمكن أن نوافق على ختم جوازاتنا من الطرف الاسرائيلي وإلا سنضطر للرجوع الى عمان. قدر موقفنا وقال إن لنا كل الحق في عدم قبول الختم على جوازاتنا. لكن الجندية في شباك الممر أصرت على الختم وأصررنا على موقفنا، طلبوا منا الانتظار ليستشيروا. انتظرنا أربع ساعات ونصف. حتى دخل الكل، ورجال الجمارك في ذهاب واياب يعلموننا أن الموافقة لم تأت ويغرونا مجددا بقبول الختم خاصة أن المعبر سيغلق. في النهاية وأمام اصرارنا أعادوا الينا جوازاتنا واحتفظوا بالتصاريح. لكن ليلى طوبال أصرت على استرجاعها ،والتصاريح مهمة جدا، لابد من تحضيرها من طرف السلطة الفلسطينية منذ بداية الدعوة، أي لمدة شهور، لنجدها في عمان عند وصولنا، استرجعنا التصاريح مطبوع عليها «مرفوض الدخول» عدنا الى عمان واتصلنا بالسفارة التونسية لتأكيد حجز العودة بطائرة السادسة صباحا. لكن في عمان اتصلت بنا الجهة الداعية الفلسطينية، ووزارة الثقافة من تونس ليطلبوا منا التريث حتى صباح اليوم الموالي. في الغد منتصف النهار الا الربع ،أكدوا لنا أن سيارة ستأتي لاصطحابنا الى رام الله. عدنا الى الجسر. لكن عند وصولنا سألنا الجندي الاسرائيلي رفضتم بالأمس فلماذا تعودون اليوم؟ نفس الأسئلة ونفس الاستشارات. وتعود المفاوضات، سياسة حرب الاستنزاف. وأخيرا وصلت الموافقة. وطبعوا التصاريح، وتركوا جوازاتنا عذراء, دخلنا الى الأرض المحتلة دون أن نذهب الى المحتل ودخلنا الى الأرض.. لحظات رائعة.. دخلنا الأرض المحتلة لكن حين رفضنا الختم لم نذهب الى المحتل. من يستضيفنا واليه نذهب هو الذي يختم هوياتنا. هذا من ناحية المبدإ. من الناحية الموضوعية : كيف يمكن قبول ختم يحرمك من التجول داخل العديد من البلدان العربية ومن الناحية الثالثة هي مزاجية. فالاتفاقيات نصت عدم الختم، وهناك من زملائنا من دخل أخيرا للأرض دون ختم على جوازهم (خولة الهادف وزوجها حاتم الفرشيشي) فلماذا الاستثناء والخضوع لقرار أحادي وفق مزاج جندي اسرائيلي؟ أهذا المطلوب في عصر الخيبة والخذلان � كيف كان شعوركم بعد اجتياز الحواجز؟ بدون مبالغة كنا وكأننا فوق السحاب. سعادة لا توصف. كان همنا تقديم عرض يليق بسمعتنا التي سبقتنا أولا. خاصة أن جزء مهم من العرض كتبته ليلى طوبال يحكي معاناة وطن ترى أنه يخصها. يحكي غزة هذا الجرح الدامي في قلوبنا. قدمنا العرض في أكبر قاعة في مسرح القصبة يتسع لأكثر من 450 مقعدا. وكانت القاعة غاصة بالجمهور، و العديد من المتفرجين الأجانب. كان لنا شرف تقديم مسرحية «آخر ساعة» في عرض الاختتام. عرض متميز على الأرض الفلسطينية الطاهرة. وقد وقع تكريمي من طرف المشرفين على المهرجان، وأنا فخور بذلك. � التقيتم بأهل الأرض؟ خلال الأيام التي قضيناها التقينا بالعديد من الفلسطينيين، مثقفين وفنانين ومسؤولين. كانوا مؤازرين وموافقين لموقفنا.وأكدوا لنا أن معاهدة أوسلو تنص على أنه لا مجال للختم الاسرائيلي على الجوازات العربية التي تزور الضفة. لكن السلطات الاسرائيلية تجاوزت كل القوانين، حتى تفرض واقعا آخر، مثلما فعلت في المستوطنات. بدأت ببناء بعض الأكواخ التي انتشرت على مستوطنات تزعم أنه لا يمكن التراجع عنها. الزام الختم الفلسطيني هو تكريس لحصار المقاوم داخل الأرض المحتلة. فلا يهم السلط الاسرائيلية من يزور فلسطين أو يدخلها. الهم الوحيد أن تكون هي السلطة والوحيدة ولها القرار الوحيد. وما يجري حاليا من تهجير أكبر دليل على انكار اتفاقية اوسلو. � رائع أن يكون تحت الحصار هذا النشاط الثقافي؟ لا بد أن تكون الثقافة ركيزة من ركائز الاستقلالية. وقد سمحت لنا الفرصة لقاء شبان درسوا في المركز العربي الافريقي للتكوين والبحوث المسرحية التابع لمسرح الحمراء في تونس. وذلك فخر لنا أن نلتقي بشباب تمرنوا عندنا ويحاولون النشاط رغم الظروف الصعبة. وقد التقينا أيضا بطاقات هامة بين الشباب. وقررنا اعادة فتح ملف المشاركة في دورة التدريب القادمة لدعوة ممثل أو ممثلة اضافية في ورشة العمل. � كيف كانت جولتكم؟ قبول الناس وكرمهم رائع. دعانا مواطن الى ضيعة من ضيعات رام الله. ودعا معنا كل أهالي القرية. شيوخها، مسؤوليها، كباراتها. كان الاحتفاء بالفرقة التونسية فلاحي، بدوي. . أصيل، وكان برفقتنا طوال الاقامة القائم بأعمال المكتب التونسي في عمان السيد الحبيب فرح والذي قدم لنا مشكورا الدعم التام، وحاول تسهيل الأمور قدر الامكان.الترحيب كان في كل مكان. أعتقد أن رابطة تجمع الشعبين، بقيت سنوات الثمانينات في الوجدان عندما فتحت تونس ذراعيها وقلوب أهلها لاستقبالهم. حتى الشباب الذي لم يكن موجودا حمل بقايا الوجدان. � هل سمحوا لكم الذهاب الى القدس؟ طبعا لا. لكننا تسللنا رفقة فلسطيني يعمل في المسرح، قمنا بجولة في ميكروباص. تجاوزنا الحاجز دون رقابة. ذهبنا الى جامع الأقصى وقبة الصخرة المعلقة. زيارة كاملة للمعالم. عند خروجنا لاحظت أننا نتسلل عبر حارات ضيقة، ركبنا الحافلة وسط الناس ومررنا بين الأسلاك، عند خروجنا قال المرافق: الحمد لله خرجنا سلامات. سألته لماذا؟ قال دخلتم دون ترخيص اسرائيلي. ورغم أن المقابل سبع سنوات سجن لكن الأمر يستحق. � هل زرتم قبر عرفات ودرويش؟ زرنا ضريح عرفات الموجود على ضفاف الماء. حسب طلب ابو عمار : «لا تدفنوني على الأرض ادفنوني على الماء» في انتظار نقل الرفات الى أرض القدس الشريف عندما تتحرر. زرنا قبر محمود درويش، ومحمود تربطنا به وبشعره علاقة حميمة بعد زياراته لتونس. وكأنه يحاكينا من قاع قبره ليرحب بنا. طلب هو أيضا أن يكون قبره على ربوة تطل على القدس ليراها من هناك. وقبر محمود قبة زجاجية هرمية لتحميه من الريح القوية باستمرار. على قبره أبيات « قل للغياب نقصتني وأنا جئت لأكملك» وقد أصبح قبر عرفات ومحمود مزارات مستمرة. أرض فلسطين مقدسة تحمل لزائرها هزة نفسية وانفعالا، خاصة عندما مشينا على طريق الآلام حيث حمل المسيح صليبه والشوك في قدميه. � كيف الحياة اليومية هناك؟ عادية. أهل رام الله يبحثون عن حياة سلام وكرامة. كل المدينة تحت بناء وترميم. تشعر أن هناك حركة معمارية كبيرة من طرف الجميع. الطرقات الكبيرة في اتجاه أريحا بنتها اسرائيل. لكن داخل رام الله السلطة الفلسطينية هي التي تعمر في محاولة للاستقلال الداخلي. وكأن ذلك محاولة لاثبات الذات. � هل هناك أعمال مسرحية فلسطينية متميزة؟ عمل لمسرح الحارة عن الحياة الفلسطينية من خلال ال«فايسبوك» « I have dream » � رغم الحصار الرهيب هناك قاعة للمسرح؟ مسرح القصبة، يتضمن قاعتين للمسرح، عدا القاعات الصغيرة للتمرينات. ومطعم في الطابق العلوي. � هناك من يتساءل باستغراب مفتعل تشددكم في رفض الختم الاسرائيلي؟ رفضنا للختم الاسرائيلي لا يعني مطالبة الجميع بالتصرف بالمثل، كل حر بقناعاته، لكن من المؤسف أنه قامت حملة عنيفة وشرسة للتنديد بما قمنا به من طرف زملاء واعلاميين هنا في تونس ، وطرح أسباب متعددة لتصرفنا.منها الخوف من عدم السماح لنا بزيارة بعض البلدان العربية. � برامجكم المستقبلية؟ نحن بصدد تحضير جولتنا في سوريا ولبنان. وبعد ذلك سنقوم بتحضير ورشة تكوين الدفعة الرابعة للمحترفين الشباب العرب والأفارقة، والتي ستنطلق فعالياتها في غرة جوان وتنتهي يوم 12 من نفس الشهر. وستحتضن هذه الدورة 18 شابا وشابة من عرب وأفارقة يأتون لأول مرة الى تونس لمتابعة ورشة التكوين كدرجة أولى في فن الممثل. � هل لآخر ساعة مكان في البرمجة الصيفية للمهرجانات؟ يظهر أن بعض مديري المهرجانات الهامة والتي كانت تتميز ببرمجتها المسرحية التونسية في افتتاح دوراتها واختتاماتها منذ سنوات طويلة خلت تنتظر مطلبا كتابيا حتى يمنون علينا بسخائهم، ويضعون ضمن برمجتهم. � أليس تقديم الملف معمول به؟ يمكن أن يكون هذا التعامل مع أعمال لم يكن لها صدى ولا مكانة داخل المشهد الثقافي والمسرحي. مع العلم أن مديري المهرجانات العالمية تترقب أعمالنا وتبرمجها قبل مشاهدتها، لما عرفته من جدية ومستوى أعمالنا السابقة. لسنوات خلت كانت أسماء مهمة لرجالات الثقافة تسهر على ادارة المهرجانات. مثل الطاهر قيقة، رؤوف الباسطي، رجاء فرحات، سمير العيادي. يبحثون ويناشدون ويشجعون الفنانين على أعمالهم، وكنت واحدا من هؤلاء الذين شجعوهم. � يوم من الأيام وفي بدايات مسرح الحمراء، كان هناك بيني وبينك حوار تلفزي، اختتمته بأغنية عبد الوهاب» أنا من ضيع في الأوهام عمره. بعد 25 سنة أين الأحلام وأين الأوهام؟ ما زلت أصنع الأحلام وتائها في الأوهام. حتى يأتي المنام.