أنتم هناك في أرض فلسطين تشهرون موقفكم، والموقف الصادق هو سلاح أقوى من سلاح الرصاص . كان أول خبر وصلنا عبر ال«فايسبوك» من مجموعة « آخر ساعة» لفرقة الحمراء مع عز الدين قنون وليلى طوبال، كتبته صديقتي الرائعة الشغوف ريم حمروني. تعلم أبناء الوطن في تونس، بأن مجموعة «آخر ساعة» رفضت أن يطبع الاسرائيلي تأشيرته على جوازات الفرقة. رغم كل ما تحملته الفرقة من تعب وتحضير ومراسلات وتجاوزات وتنازلات. رغم شوقها للوصول الى رام الله. لتقديم العرض المسرحي أمام أهل فلسطين وعلى أرض فلسطين. فضلوا عدم الدخول وتدنيس هويتهم، ووثيقة سفرهم . ثم ولا أدري كيف؟ لم توافنا ريم بأخبار كافية، لكن استطاعت الفرقة أن تتجاوز الحدود بشروطها، ويفترض أنها قدمت العرض يوم 15 أفريل، أي بالأمس. ثم أرسلت ريم خبرا هذا مفاده : فريق «آخر ساعة». يجيب « لا مجال» من الغريب أن لا يكون للفنانين الوعي برمزية الموقف الذي اتخذناه وأهميته: 1 الكل يعلم أن فلسطين محتلة , وأن تصاريح الدخول تعطى من طرف المستعمر الاسرائيلي, لكن ما زال هناك أناس محترمون وعزيزي النفس. يرفضون هذه الحقيقة المرة . 2 الأبطال والمناضلون يملأون المقابر والسجون، ونحن لسنا سوى أهل فن أحرار يرفضون أن يدنس الطابع الاسرائيلي المستعمر الغاشم جوازاتنا، وأن يلوث هويتنا. 3 نحن نرفض أن يكون هذا الطابع الحامل للدم الأحمر. والذي هو حاجز لآلاف الفلسطينيين، أن يكون حاجزا أيضا وثانية لحرية تجولنا.. تلك الحرية أساس حياة الفنان. 4 رغم أننا في مواجهة السلاح والدمار، ولأننا في مواجهتهما. لا نملك الا صيحة واحدة « لامجال») ثم وبتاريخ 13 أفريل وصلت مراسلة من موقع «آخر ساعة» أرسلتها سيرين قنون، أحد أعضاء الفرقة وابنة المخرج عز الدين قنون. ردا على تساؤلات أو ملاحظات أو نكران وتجاهل البعض: ( الفيزا هي مصطلح يثبت أن وثيقة قرأت ودققت. شهادة ختم، طابع. يوضع على جواز سفر يسمح بالاقامة. اذن الطابع المرفوض من طرف فريق « آخر ساعة» هو التأشيرة . من المهم التأكيد لتوضيح الجدل الذي قام حول موقفنا، والتساؤل لماذا البعض من مواطنينا، وأصدقائنا، وزملائنا الفنانين يرفضون الاعتراف برمزية تصرفنا. فبكل بساطة قبل خمسة أيام لم يريدوا أو لم يستطيعوا أم لم يحاولوا ( لأسباب تخصهم) رفض هذا الطابع, ريم الحمروني لم تفتح جدلا، لكنها أجابت باسم الفرقة عن استفزاز تعرضت له. وهي كتبت باسم الفرقة التي أعلنت رفضها ( لا مجال ) لا أحد أيها الأصدقاء وجه لكم اللوم لأنكم لم تطالبوا بحقوقكم. فعجيب أن تسمحوا لأنفسكم أن تهاجموا من قام بذلك. ورقة التأشيرة هي نتيجة اتفاق ثنائي بين اسرائيل والعالم العربي بأن لا أحد من الطرفين يطبع أوراق الآخر. كان ذلك نصرا صغيرا رمزيا تحصل عليه مناضلون فلسطينيون وعرب، وعلينا أن نساندهم. فريقنا لم يطالب اسرائيل بالعبور من أجل جولته في الشرق الأوسط. لكنه طالب بحقه التي أرادت اسرائيل أن تسلبه اياه. الفلسطينيون ليسوا بحاجة أن نأتي اليهم لنلتقط صورا بجانب أضرحة الشهداء. أو تقديم عروض في المهرجانات. الفلسطينيون بحاجة لكل الفنانين، وأيضا لقرارهم بالرفض المطلق. مهما كانت أهمية هذا الرفض ضد ذلك الغاشم الطاغي. والذي مع الأسف يراقب دخول وخروج كل من يقصد الأرض الفلسطينية. وأقل ما يمكن أن نقوم به هو أن نرفض تلك البصمات المدنسة على شعار هويتنا. يا أصدقائي.. في زمن الخيبة، وتنكيس الرأس، وغياب ما يسمى عند أخوتنا الجزائريين «النيف» لكم الحق في رفع رؤوسكم عاليا فقد رفعتم رأسنا، وضمدتم جراح الخافق الحزين. مسحتم جرحا صعب الالتئام. وأثبتم أن الوطنية ليست في حالة يتم. الوطنية هي الانتماء الى أرض وشعب لا لحدود وجغرافيا محدودة. الأرض هي مجاز، هي رمز. فمنها ولدنا، ولها عشنا. أعرف كم كانت الفرقة متحمسة للذهاب الى «رام الله» للقاء أهلها هناك، وأصدقائها الذين اكتسبتهم على مرور السنين. كم كانت فرحتهم عامرة عندما أكملوا كل المعاملات، واجتازوا حدودا وحدودا أخرى.. ورغم هذا. كم كان اتخاذ قرار صعبا. العودة؟ الرجوع؟ التخلي عن العرض؟ أم القبول بالمقبول المسنون؟ كان القرار عدم التنازل لا العاطفي. ولا الموقفي. كان القرار موقفا وطنيا خاصا بقناعاتهم. ولكل منا صورة معينة ومفهوم خاص في الوطنية. كلنا جميعا نحارب تحت رايتها، وغالبا ما نتحارب تحت رايتها. أصدقائي تجاوزوا تلك الخطب المنمقة، والشعارات الرنانة. فاتخذوا من الوطنية سلوكا، ، تعاملوا بموقفهم مع أشرس الناس، وأصعب المواقف، في وقت ترحل فيه اسرائيل آلاف ممن تسميهم متسللين فقط لأنها منذ أكثر من خمسين سنة لم تسمح لهم بالحصول على أوراق هوية، وهم أبناء الأرض، اتخذ أصدقائي موقفا في وقت لا نسمع فيه بموقف. سوى ردود فعل عربية ودولية منددة بقرار الجيش الاسرائيلي المستمر دون أي خجل أو رحمة. في انتظار عودتكم أيها الأصدقاء اليكم هذه الكلمات . خاصة أنت عز الدين «اللي تحب هذا النوع» : حب الوطن ماهو حكاية.. أو كلمة تنقال في أعذب أسلوب/ حب الوطن اخلاص ومبدأ وغاية.. تبصر به العيون وتنبض به قلوب.