ما تزال حاجيات البطل التاريخي في تونس محمد القمودي محفوظة في مكانها في المدرسة العسكرية للرياضة بباردو: حذاؤه الذي حقق به الرقم القياسي في مكسيكو 1968، ميدالياته وألقابه وأمجاده وخصوصا صورته التاريخية وهو يجتاز الخط الأخير حاملا لطموحات شعب صغير، لا أمل له في التألق إلا بالثروة البشرية. يفتخر الجيش الوطني بأن السيد «محمد تليلي بن عبد الله» الشهير باسم القمودي، أكثر التونسيين حملا للألقاب الرياضية هو من أبناء الجيش، سواء بالوظيفة مثله أو بالتبني مثل العشرات الذي رأيناهم يتدربون في المركب الرياضي مفتاح سعد الله وفي المدرسة العسكرية للرياضة بباردو حيث توجد عدة مؤسسات رياضية وطبية تشرف على تدريب ومرافقة عدد كبير من نخبة المتفوقين على المستوى الوطني والدولي خصوصا في الرياضات الفردية. يقول لنا مؤرخو الجيش إن الرياضة كانت حاضرة منذ الاستقلال في الجيش الوطني وتطور اسمها لتصبح إدارة التربية البدنية والرياضة العسكرية وهي مكلفة بتكوين إطارات التربية البدنية والرياضية العسكرية وتأطير رياضيي النخبة من العسكريين والمدنيين وانتقاء العناصر الرياضية الواعدة وتوفير أفضل الفرص لها. وفي الأصل، يخضع كل أفراد الجيش الوطني للتدريب المستمر حتى التقاعد لذلك يترددون على مراكز الرياضة العسكرية للتدرب ثم يخضعون لامتحانات تخص اللياقة البدنية مرتين في العام. إلا أن ذلك يبقى عاديا مقارنة بالمئات من الأبطال الذين تخرجوا من هناك سواء كانوا مدنيين أو من أفراد الجيش، وبالعشرات الذين وجدناهم بصدد التدرب ذلك اليوم في إطار نشاطات الجمعية الرياضية العسكرية التي ما تزال حضنا للكثير من أبطال الرياضة في تونس، ذلك أن 81 بالمائة من منخرطيها مدنيون. كما يفتح الجيش أبواب مركب مفتاح سعد الله لتلاميذ مدرسة مجاورة ولتمارين بعض شبان المنطقة المجاورة. باستثناء ذلك، يحتضن المركب مهرجان اختتام الموسم الرياضي ونهائي كأس تونس العسكرية بين الجيوش والعديد من التظاهرات الرياضية العسكرية. أبطال وملاعب يمتد المركب الرياضي مفتاح سعد الله على مساحة 7 هكتارات في قلب باب سعدون على الطريق التي تحمل الاسم ذاته: مضمار ذو 400 متر لألعاب القوى، ملعب معشب ومسبح مغطى وملعبا كرة سلة و4 ملاعب تنس و4 للكرة الطائرة وكرة اليد، جميعها تبدو على درجة كبيرة من النظافة والتنظيم بما أن يد العناية توفرها وحدة عسكرية خاصة. أما في باردو، فقد كانت التدريبات على أشدها في مختلف الميادين وخصوصا رياضة الرماية التي منحت الرياضيين التونسيين العديد من الميداليات الدولية وفي رياضات فردية أخرى عديدة مثل العديد من أبطال الملاكمة والمصارعة الذين لم يتخل عنهم الجيش بعد أن تجاوزوا سن التفوق وتحقيق الانتصارات، بل تم تشغيلهم في المركب لتدريب الأجيال الجديدة والاستفادة من خبرتهم. كما يحتوي مركز باردو على نزل متكامل حيث كان العشرات من رياضيي النخبة الوطنية المدنية يقيمون هناك. غير أن أهم مكونات مركب باردو هو مركز البيوميكانيك أي علم دراسة حركات الجسد وهو أول مركز عربي في هذا المجال ويشرف عليه أطباء وتقنيون على درجة كبيرة من الاختصاص العلمي. كما يحتوي المركب على مركز طبي مجهز بأحدث آلات فحص الأعضاء الحيوية في الجسم ومتابعة الحالة الجسدية للرياضيين وعلاجهم وفق أحدث الطرق الطبية. البحث عن المواهب جميع المشرفين على المراكز الرياضية العسكرية هم من إطارات الجيش، لكنهم يعملون بالتنسيق مع المدنيين في مختلف مجالات الرياضة عبر البلاد. وقد كشف لنا أحد إطارات المدرسة في ما بعد، أنه وبعض زملائه من العسكريين يطوفون الملاعب المحلية ومختلف التظاهرات عبر البلاد بحثا عن المواهب الرياضية لتأطيرها. يوضح لنا هذا الضابط: «من مهامنا البحث عن المواهب، وخصوصا تلك المهددة بالضياع أيا كانت الأسباب، لأن الجيش يوفر لهم كل الظروف للنجاح والتألق، وعندما نجد شابا يعيش ظروفا اجتماعية صعبة، نعرض عليه الانخراط بالجيش لضمان مستقبله المهني والتفرغ للتفوق». قبل ذلك قال لنا آمر المدرسة إن الجيش الوطني كان يعثر على المواهب الرياضية بين الجنود، أما اليوم فقد تضاءل عدد هذه المواهب بسبب تهرب الكثير من الشباب من أداء الواجب العسكري وأصبح الضباط يبحثون عنها أيام الآحاد في الملاعب المحلية. الكثير من الشبان الموهوبين غادروا الدراسة مبكرا، وتبدو آفاق الحياة بالنسبة إليهم شاقة، لذلك يوفر لهم الجيش وضعا اجتماعيا قارا بانتدابهم وتمكينهم من الارتقاء المهني حتى بعد نهاية سنوات العطاء البدني مثل الذين رأيناهم قد تحولوا إلى مدربين مختصين منتدبين في الجيش. لا تهدأ الحركة في مركب باردو بين مختلف ميادين التدريب وطلقات رصاص الرماية الرياضية في انتظار المسابقات الوطنية والعالمية. يقول لي أحد الضباط: «أبطال الجيش هم فخر لنا، غير أنهم قبل كل شيء فخر للوطن، عندما ننجح في توفير ظروف التألق لهم ويحملون علم تونس عبر ميادين الرياضة في العالم نحس نحن هنا في باب سعدون بالاعتزاز مثلما حدث لنا سابقا مع البطل التاريخي القمودي الذي رأيت ميدالياته وحذاءه محفوظة في باردو».