بقلم: عبد الله طليحة الدبابي (تطاوين) رغم بشاعة الجريمة التي ارتكبها الكيان الصهيوني ضد قافلة أسطول الحرية، فإنها تبدو غير غريبة كثيرا لأن الشيء من مأتاه لا يستغرب كما انها ليست بالجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة في تاريخ هذا الكيان الذي لا يشبع من المجازر والدم. فمنذ تأسيسه غصبا واغتصابا للأراضي العربية الفلسطينية وتاريخه يحفل بالمآسي والجرائم المتكررة والمتعددة والمتنوعة كما وكيفا من تدمير وقتل وتفنن في اراقة الدماء بكل الوسائل البشعة والمقرفة. إن مذبحة قافلة اسطول الحرية أكدت مرة أخرى ان اسرائيل خارج المجتمع الدولي وهي فوق القانون وبلا رقيب ولا حسيب. فهي في حل من كل القوانين والمواثيق الدولية. وهي القائمة على أساس غير قانوني فالوعد الذي منحها الوجود لا يمكن بأية حال أن يكون شرعيا ولا مشروعا بصفة مطلقة لأن الواعد اعطى ما لا يملك وهو ما يتنافى مع كل قواعد العدل والحق. ويمثل جريمة أخلاقية قذرة لا تمحى الا بعمل بريطانيا على رد الارض المسلوبة لأصحابها والتكفير عن الذنب الذي اقترفته بحق الشعب الفلسطيني بصفة خاصة الذي شردته وتركته يعاني والأمة العربية الاسلامية بصفة عامة لأنها انتهكت مقدساتها بوضعها أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين تحت أياد قذرة ما فتئت تعمل على تدنيسها وتخريبها. ويبقى هذا الكلام من باب اللغو لاعتبار ان بريطانيا تبقى من أكثر الدول مناصرة ودعما ودفاعا عن اسرائيل فلقد صرّح غولدن براون رئيس وزرائها حول المجزرة الأخيرة بأن ما أتته اسرائيل هو دفاع عن النفس ومن حقها ذلك وهو تصريح لا يستجيب حتى للحد الأدنى من المعقولية ولمفهوم الدفاع عن النفس وشروطه. كما أكدت جريمة قافلة أسطول الحرية ان اسرائيل تتمتع بحصانة مطلقة منحتها إياها الولاياتالمتحدةالأمريكية بالخصوص وهي دولة معفية من كل المساءلة والمحاسبة، وهو ما يدفع بها دائما الى ارتكاب أشنع الأفعال وأبشعها. وما اعتراض سفن أسطول الحرية في عرض المياه الدولية بتلك القوة العسكرية وما ذلك الانزال العسكري المروع إلا خير دليل على تماديها في الغطرسة واحتقارها للمجتمع الدولي والانسانية خاصة وأن من كانوا على تلك السفن هم أناس مدنيون نشطاء سلام لا يحملون قنبلة او صاروخا ولا حتى سلاحا بسيطا بل ان سلاحهم كان العزيمة والإرادة والرغبة في كسر حصار جائر يهدد حياة آلاف الأطفال والنساء والشيوخ. إن ما اتته اسرائيل لا يمكن ان يكون الا قرصنة، رغم ان القراصنة يكونون في بعض الأحيان رحماء اذ تكفي فدية لتحرير المحتجزين وتجنيبهم الموت. فالجريمة التي ارتكبتها وبالنظر الى أركانها وحيثيات ارتكابها تكوّن جريمة أشد خطرا وهي جريمة ارهابية وتمثل جريمة ارهاب دولة منظم تستوجب تتبع مساءلة ومحاسبة من ارتكبها وأمر بتنفيذها امام المحاكم الدولية المختصة والتي من بينها المحكمة الجنائية الدولية وأمام كل قضاء وطني تجرم قوانينه مثل هذه الأفعال. وهو ما سيضيق ويحد من تحركات القادة الصهاينة. إن ما أتته اسرائيل رغم بشاعته يعتبر جريمة بسيطة وهي جريمة تابعة لجريمة أصلية أشد شناعة وخطورة وهي جريمة الحصار الظالم لمليون ونصف إنسان في غزة. وهو ما يمثل جريمة نكراء يعجز العقل عن استيعابها. فبعد أن دمروها، غزة حاصروها وأرادوا لها الفناء بحرب أتت على كل شيء فيها، لكن أنى لهم ذلك هم وأمثالهم وهي الأبية عليهم والعصية على مخططاتهم لأنها أقوى من قنابلهم العنقودية وفسفورهم الحارق وصواريخهم وتحالفاتهم وتواطؤ البعض لأنها قضية حق وشرف. إن الحصار هو الذي جاء بهؤلاء الشهداء وهؤلاء الناشطين الذين هانت حياتهم من أجل غزة من أجل الانسان المحاصر الانسان المعتدى عليه الممارس عليه كل أنواع الظلم والجور من العدو ومن ذي القربى وما أشد ظلم ذوي القربى. جاؤوا في رحلة تناشد الحرية لكن كتب لهم ما كتب وكتب لغزة وللقضية الفلسطينية نصر آخر وكتبت للكيان الصهيوني فضيحة أخرى. فهم الشهداء والناشطون كتب لهم الفخر والمجد ويسجلهم التاريخ كفاتحين ومحررين ولن ينسوا أبدا. أما غزة فكتب لها نصر آخر لأن هذه الجريمة كشفت للرأي العام العالمي حجم معاناة أهل القطاع وما يلقونه من العذاب والآلام وحرمان حتى من أبسط مرافق الحياة. أما هم الصهاينة فالجريمة قد عرّت حقيقتهم وأظهرت وجههم الحقيقي كمعادين للانسانية أكدت وحشيتهم بشاعة جرائمهم وأفعالهم. إن هذا الاهتمام المتزايد بفك الحصار عن غزة وهذه النداءات المتتالية من هنا وهناك وما هذا التظاهر في مختلف شوارع العالم وما هذا الاصرار على الابحار نحو غزة وشواطئها الاسيرة ما ذلك إلا دليل على انفتاح القضية الفلسطينية على العالم والتي أصبحت تشغل الرأي العام الدولي فهي قضية إنسانية لأن الجرائم المرتكبة لا يمكن أن توصف إلا بجرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم تخالف القانون الدولي الانساني. والقضية الفلسطينية لا يمكن غض النظر عنها أو السكوت عنها فالمجتمع الدولي بكل مكوناته الرسمية وبمنظماته الحكومية عليه التحرك بكل سرعة لأن الامر لم يعد يحتمل وشعب محاصر أعزل يعيش داخل سجن كبير أرضه محتلة وكل البنى التحتية مدمرة يفتقد الى أبسط المرافق الحياتية فحتى الهواء والتراب ملوثان، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بمزيد ربط الصلات وتمتينها مع الجهات الدولية والتنسيق المحكم مع المهتمين بقضايا العدل والحق واستغلال مثل قوافل الحرية وتوظيفها. وما يستغرب من هذا الذي حدث هو الصمت العربي الرسمي الرهيب وهذا التنصل اللامقبول من القضية الأم والقضية المركزية الى متى الشجب والادانة؟ فلسطين لم تعد اليوم بحاجة الى قرارات الشجب والادانة والاستنكار فلم تزدها هذه المواقف إلا وجعا على وجع ولم تزد الكيان الصهيوني إلا تماديا وغطرسة. ولقد سئمت فلسطين هذا الكلام منذ زمن طويل لأنه لم ينفعها في شيء. فلسطين بحاجة اليوم الى قرارات واقعية وفعلية وندية تواجه الكيان الصهيوني وهي اليوم لا تحتاج الى المزايدات والمساومات. انه تخلّ ضيع الحقوق وكان دافعا لاسرائيل لتفعل كل ما فعلته. أمر مؤسف ومحزن أن يتم رفع أمر النظر في المذبحة الى مجلس الأمن الدولي وهو يعتبر تصرفا غير مقبول ولا مسؤول لأن الجميع يعرف مآل النظر بصفة مسبقة وهي النقض الذي يعد إحدى الوسائل التي تحمي اسرائيل. إن النظرة الاحادية الى الشأن الفلسطيني وتدعيم شق على شق آخر زاد في تعقيد القضية رغم أن القضية الفلسطينية أسمى من أن ينظر اليها بعين واحدة، ففلسطين فوق كل المصالح والاعتبارات والرغبات الضيقة التي أغرتها أوهام السلطة الكاذبة. فالنصر الفلسطيني لا يمكن أن يتحقق إلا بالكل والقضية غير قابلة مطلقا للتجزئة وكل الفصائل معنية بالتوحد مهما اختلفت خلفياتها وآراؤها وتوجهاتها لأن العدو الحقيقي هو اسرائيل بالاساس. كما يجب العمل على حقن الدماء والعمل على أن لا يرفع اي سلاح مستقبلا في وجه اي فلسطيني من قبل فلسطيني بل يجب ان توجه كل الأسلحة الى العدو الصهيوني. ليس مبررا التخلي عن غزة بتعلة سيطرة حماس عليها فيجب ان لا نتناسى ان صعود حماس الى السلطة لم يكن أبدا بقوة السلاح او التزوير او بالدعم الخارجي والاستقواء بالأجنبي تنفيذا لمخططاته، بل ان صناديق الاقتراع هي التي حكمت وكانت الفيصل في انتخابات توفرت فيها كل معايير الانتخابات الديمقراطية من شفافية ونزاهة وهي تجربة قلما تحدث في الدول العربية. لقد استكثروا على حماس نجاحها الشرعي والمشروع متناسين تاريخها الحافل بالنضال والمقاومة وما الشهيد احمد ياسين الا احد وجوه النضال والمقاومة الفلسطينية الصادقة التي اغتالته اسرائيل غدرا ذات فجر. ولا يمكن بأي حال التخلي عن غزة بذريعة ان من يحكمها حمساويون وأنهم ارهابيون يجب اسقاطهم وسد الطريق أمام طموحهم الى بناء دولة الخلافة فالوقت غير مناسب لهذا الحديث والظرفية تقتضي من النظام العربي الرسمي الوقوف مسافة واحدة من جميع الفصائل والعمل بكل سرعة على تحقيق المصالحة الوطنية وطي الخلافات التي لا تخدم الا المصالح الصهيونية. إن وقفة الأتراك اليوم الرسمية والشعبية مع غزةوالفلسطينيين وقد سبقتها وقفات ايام الحرب الأخيرة لا يمكن الا ان تحيّا بكل فخر واعتزاز لأنها تعبر عن مساندة حقيقية وفعلية وما لهجة الخطاب الحادة التي تنطوي على كثير من الندية التي تكلم بها رجب طيب أردوغان هذا الرجل الشجاع رئيس الوزراء التركي الا رفض علني وصريح غير متردد للسياسات الاسرائيلية ويبدو من المواقف التركية المتعاقبة ان تركيا ساعية الى لجم اسرائيل والوقوف لها وقفه ندية رغم ان كل ذلك يتعارض ومصالحها خاصة رغبتها في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. إن الموقف التركي يضع الموقف العربي الرسمي اليوم في موضع حرج ومساءلة فالنظام العربي مايزال يؤمن بالتفاوض ويعلق آماله على المبادرة العربية التي يهدد بين الفينة والأخرى بسحبها وكأن الكيان الصهيوني يعيرها اهتماما. وواهم وساذج كل من يتصوّر ان اسرائيل تريد السلام وتعمل على تحقيقه في المنطقة بل هي اصل كل مشاكل المنطقة وهي المدججة بكل أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا والتي أحلت لنفسها كل منطقة في العالم لتنفيذ مخططاتها ويجب ان لا ننسى واقعة اغتيال المبحوح في دولة الامارات العربية المتحدة وكيف اعتدت على أكثر من سيادة ومرت الواقعة كما مرت وقائع كثيرة سوداء قامت بها. ربما تكون سفن الحرية الطامحة إلى فك اسر شواطئ غزة هي الممهدة لحدوث التغيير المنتظر في الوضع الراهن والذي طال. وهي سوف لن تتوقف على الإبحار لأن غزة تغري الطامحين الى الحرية وفلسطين الأسيرة منذ زمن طويل تناشد الحرية.