... إرهاق جسدي وذهني بسبب قلة النوم في الليل، ينتج عنه ضعف التركيز في النهار وتراجع المردودية في العمل والدراسة... أضرار صحيّة خطيرة قد تودي، خاصة بالاطفال الصغار، الى المستشفى... نفقات اضافية عديدة ترهق ميزانية العائلة... هواجس ومخاوف تنتاب سكان أحياء ومناطق عديدةبمجرد أن يحلّ ظلام الليل... مشاهد تتكرّر كل صيف، في أكثر من منطقة وأحيانا منذ أفريل وماي، أما سببها فهو «آفة الناموس» على حد تعبير سكان منطقة السيجومي... «آفة... جائحة... فاشية... ظاهرة... كارثة قضية وطنية...» أكثر من صفة يطلقها هذه الايام سكان أكثر المناطق حضورا ل «الناموس» معتبرينه مهددا للاستقرار والراحة والسكينة في منازلهم، وعاجزين عن مقاومته بمفردهم، ولا يجدون ولو ومضة تلفزية او صحفية واحدة تبيّن لهم الطريقة الأنجع لمقاومته... بل أكثر من ذلك، لا يعلمون الى حد الآن أيّة جهة في الدولة مكلفة بملف «الناموس» في ظل تبادل رمي هذه «المسؤولية» بين أكثر من طرف (وزارة البيئة وزارة الفلاحة وزارة الصحة البلديات الأوناص...). الاسطوانة نفسها... «كل صيف، وبمناسبة هجوم الناموس علينا تتكرّر على مسامعنا الكلمات نفسها: مداواة أماكن توالد وتكاثر الناموس عن طريق السلط المعنية لم تتم في وقتها أو لم تقع بالوجه الكافي...» يقول سالم السياري (حي الزهور 4) بشيء من التأثر، وقد بدت على ملامحه، شأنه شأن البعض من أجواره، علامات العاجز عن فعل أي شيء تجاه هذه «الآفة» الطبيعية. أما «عم محمود» أحد أصحاب المتاجر القريبة من سبخة السيجومي (الزهروني) فيؤكد أنه أصبح مضطرا لغلق متجره مباشرة «بعد المغرب» هروبا من «هجوم» الوشواشة عليه وعلى متجره متسائلا «كل عام يقولون لنا الكلام نفسه وهو أن نوعا جديدا من الناموس ظهر، وأن المداواة لم تقدر على القضاء عليه... فهل الى هذا الحد عجزنا عن قتل بعوضة صغيرة؟». نفقات 15د، لشراء المبيدات الحشرية... 18د... تكاليف الاجهزة الكهربائية المقاومة للناموس... 4د لتركيب الموستيكار... و11د. لشراء مرهم علاج رضيع من اللسعات... حوالي 50د. أنفقها سالم في الاسبوع الماضي بسبب الناموس... والغريب في الأمر ان شيئا لم يتغيّر في حياته وحياة عائلته: فلا المبيد فتك بالناموس ولا الموستيكار منع دخوله ولا الاجهزة الكهربائية أطردته من الغرف ولا المرهم عالج رضيعه من مضاعفات اللسعة، وهو مضطرّ على حد ما ذكره لنا منذ يومين الى نقله للطبيب لتنتفخ بذلك الفاتورةبكل تأكيد... سالم ليس وحده الذي تكبّد ويتكبّد هذه المصاريف الاضافية بل كثيرون يتبعون الخطة نفسها تقريبا على أمل إبعاد خطر «الحشرة الخبيثة» عنهم لكن دون جدوى... وهو ما دفع باحدى متساكنات سيدي حسين للتساؤل «هل صحيح أن تلك المبيدات قادرة على القضاء على الناموس؟لا أظن انهم يغشون في تصنيعها لماذا لا تجبر الدولة مصنعيها على احترام مقاييس الجودة حتىتكون تلك المواد ناجعةفعلا شأنها شأن تلك الآلات الكهربائية... هذه المنتوجات أصبحت مضرّة بصحة الانسان أكثر من اضرارها بصحة الناموس رغم تكاليفها المرتفعة». مخاطر صحيّة يتحدث سكان «مناطق الناموس» أن المخاطر الصحية التي أصبحت تتهدّدهم وتتهدد خاصة صغارهم جرّاء هذه «الآفة»... وعلى حد قول أحد المتحدثين من منطقة الجيّارة ل «الشروق» فقد بلغ الأمر في السنة الفارطة حد اصابة أحد ابناء أجوارهم باعاقة دائمة على مستوى إصبع يده بسبب لسعة ناموسة وهذا بقطع النظر عن مخاطر صحية أخرى مثل نقل الأمراض المعدية من شخص لآخر أو السبب في الأرق وقلة الراحة والسكينة في المنازل وما ينتج عن ذلك من ارهاق ذهني وبدني... قانون... ولجنة جرت العادة ان يتدخل المشرع في تونس ليسنّ عبر قرارات وزارية او أوامر او مناشير او حتى قوانين، نصوصا تهم مجابهة الافات والجوائح الطبيعية مثلما يحصل أحيانا مع الآفات الحشرية او الحيوانية المهددة للمنتوجات الفلاحية أو المهدّدة للصحة العامة للناس. كما جرت العادة أن تتدخل الدولة أحيانا لتكوين لجان خاصة ممثلة للوزارات والهياكل الادارية والعلمية والفنية، تكون مهمتها متابعة ظاهرة أو آفة أو جائحة ما تهدد صحة الناس وسلامتهم وراحتهم (مثل لجنة مكافحة الضجيج أو لجنة الانفلونزا او لجنة متابعة ملف مخاطر اعمدة الريزو... الخ) وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول عدم تدخل المشرع التونسي لحدّ الان لوضع نص خاص بمقاومة الناموس ويحدد مسؤوليات كل الاطراف بصرامة (وزارات البيئة والفلاحة والصحة والداخلية) حتى لا يبقى الموضوع محل تبادل لرمي المسؤوليات بين هذه الجهة وتلك... كما أن بعث لجنةوطنيةلهذه «الآفة» بات ضروريا لأن الامر يهم المصلحة العامة للناس ولابد من حمايتها. فالمسألة ليست بالسهولة التي يتخيلها البعض (مجرّد ناموس) وليست كما ذكر ذات مرّة أحد المسؤولين بأن «وزارته ليست وزارة ناموس وذباب» بل أعمق من ذلك بكثير بالنظر الى الانعكاسات السلبية الخطيرة على الصحة والسلامة والمردودية في العلم والدراسة جراء الناموس. ارشاد... وتوجيه.. «إذا كانت الوسائل التي نستعملها في منازلنا عاجزة عن مكافحة الناموس، فلماذا لا يقع ارشادنا للطريقة المثلى؟» يتساءل حاتم فيّالة (طالب من حي الزهور) مضيفا «تعودنا على ومضات الارشاد والنصح في التلفزة والصحف كلما تعلق الأمر بمسألة تهدّد المواطنين وتقلق راحتهم، فلماذا لا يحصل هذا مع ظاهرة الناموس؟»... وتقول شقيقته حنان في السياق ذاته على أن هذا الارشاد بات اليوم ضروريا بعد أن جرّب المواطن كل الطرق ولم يفلح في إبعاد الناموس عن المنزل... غير أن هذا الارشاد والتوجيه لا يجب ان يحجب دور الدولة في ضرورة مقاومة آفة الناموس بوسائلها الخاصة (المداواة العمومية وتنظيف السباخ ومجاري الماء والأودية) على أن يتم ذلك بكل نجاعة وباعتماد أحدث الوسائل التقنية والعلمية الحديثة المعمول بها في الدول المتقدمة لمقاومة هذه الحشرة ولن يكون ذلك ناجحا الا بضبط خطة وطنيةلهذا الغرض يتواصل تنفيذها على مدار العام وليس الاقتصار على شهر واحد او شهرين في العام.