هو المتمرد على الدوام... تمرد على الثراء ليساند الفقراء... وثار على العملاء ليعيد البلاد الى شعبها... هو من صارع تسعة رؤساء أمريكيين لأكثر من خمسين عاما وحافظ على الانتصار... نجا من 637 محاولة اغتيال وظل صامدا محتفظا بحب شعبه له رغم عقود من الاعتقال والنفي والحصار... يصفه كثيرون من محبيه واعدائه أيضا بالقط الذي لا يسقط الا واقفا... هو فيديل آليخاندرو كاستروا الثائر والقائد والرمز الكوبي الذي عاد ليقف بعد تنحيه عن السلطة وصراعه مع المرض ليحذر العالم من الحرب النووية المتوقعة بين ايران والولايات المتحدة واسرائيل... كثيرا ما يوصف بالمتمرد على الدوام فمنذ عامين تقريبا اعتقد كثيرون أن قائد كوبا الاول لن يعود ثانية ليحتل واجهة الاحداث السياسية كما لم يكن أحد يتصور أن فيديل الذي ولد يوم 13 أوت 1926 لعائلة ثرية سيتمرد على حالة الترف تلك بعد أن صدم بالتناقض الكبير بين الرفاهية التي تعيشها أسرته وقساوة العيش والفقر في المجتمع الكوبي. في سن السادسة ترك «فيديليتو» مزرعة قصب السكر التي يملكها والده اسباني الاصل والتحق بمدرسين كاتوليكيين لمزاولة التعليم الابتدائي ثم واصل تعليمه في مدرسة تابعة ل«حملة يسوع المسيح» في هافانا حيث تخرج من فرعها الادبي في عام 1945. يظلم كاسترو كثيرا اذا قيل عنه فقط انه متمرد حيث كان يتمرد ليخلق الحلول لا لمجرد التمرد. فمثلما تمرد في سنوات الجامعة التي التحق بها في سبتمبر 1945 للكشف عن الاوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد تواصل تمرده لتغيير تلك الوقائع ثم لحماية كوبا من الهيمنة الامبريالية الى المشاركة في محاولات بعض دول العالم الثالث في الخروج من سيطرة الاحتلال وتحرير شعوبها. ارتبط فيديل فور التحاقه بالجامعة بالنضالات السياسية للوسط الجامعي واحتل مناصب مختلفة في اتحاد الطلبة الجامعيين كما كان عضوا بارزا في العديد من المنظمات الطلابية التقدمية مثل «الاتحاد من أجل استقلال بورتوريكو» و«لجنة الثلاثين من سبتمبر» التي كان مؤسسا لها و«اللجنة من أجل الديمقراطية الدومينيكانية» التي شغل فيها منصب الرئيس. وكجزء من نشاطه السياسي خلال تلك الفترة نظم فيديل كاسترو عددا لا يحصى من التحركات الاحتجاجية ضد الاوضاع السياسية والاجتماعية السائدة وتعرض في كثير من المناسبات للضرب أو السجن. تعرف الزعيم الكوبي على النضال المسلح بينما كان يجتاز السنة الثالثة من تعليمه الجامعي حين انخرط بين شهري جويلية وسبتمبر 1947 في حملة ضد نظام الدكتاتور الدومينيكاني رافائيل ليونيداس تروخيو، وقاد حينها كتيبة بحرية، لكن التاريخ أعاد نفسه مع صديقنا حيث اعترضت فرقاطة كوبية طريقهم فقفز فيديل الى الماء لكي لا يسمح باعتقاله ورأى أنه من العار انتهاء أعضاء كتيبته في السجن دون أن يكافحوا وهو تقريبا نفس السيناريو الذي واجهه في 1 ديسمبر 1956 رفقة 82 مقاتلا عادوا من المنفى في المكسيك لتحرير البلاد من دكتاتورية باتيستا. تعرف كاسترو على الافكار الماركسية في سنوات الجامعة وانطلاقا من تعاطفه مع «حزب الشعب الكوبي» (أورثورذكسي) ذي التوجه التقدمي شارك بانشطته منذ سنة 1948 وعمل على بلورة مواقف أكثر راديكالية واندفاعا بين أعضاء الحزب. وعاد فيديل الى هموم الفقراء بعد تخرجه كدكتور في الحقوق المدنية وانطلاقا من مكتبه كرس نفسه وبشكل أساسي للدفاع عنهم قضائيا لكنه وجد نفسه بعد سنتين تقريبا يطلق مهنة المحاماة بلا رجعة ويعود الى العمل المسلح بعد أن نجح فولخنسيو باتيستا في القيام بانقلاب في العاشر من مارس 1952. مني بأول هزيمة في جويلية 1953 أثناء الهجوم على ثكنة «مونكادا» في سنتياغودي كوبا تلك العملية التي أراد من خلالها تفجير الكفاح المسلح ضد نظام باتيستا وقد اعتقل اثرها وحكم عليه بالسجن 15 عاما لكن النصر الذي لم يحققه في المعركة ادركه في المحكمة حيث ألقى أول خطاب سجله تاريخ الثورة الكوبية واستغل فترة السجن التي لم تتجاوز العامين للمطالعة حيث كان يقرأ 16 ساعة في اليوم، وقد اطلق سراحه بعد تعاظم الدعم الشعبي له. راجع فيديل برنامجه الثوري في السجن واختار بعد الخروج منه المنفى فتوجه الى المكسيك حيث حظي بدعم الجالية الكوبية وتعرف لأول مرة على رفيق دربه تشي غيفارا ووضعوا شعار «في عام 1956 سنكون أحرارا أو نصبح شهداء» واستعدوا رفقة 80 مقاتلا بلغ معدل أعمارهم 27 سنة في ذلك اليوم. وبعد الانتصار على باتيستا واستعادة كوبا في 8 جانفي 1959 واجه الزعيم الكوبي الذي عين رئيسا للحكومة الثورية في فيفري من نفس السنة محاولات أمريكا الاطاحة به خاصة بعد تأميمه للشركات الامريكية في كوبا وكان اخطرها الغزو الذي نظمته وكالة الاستخبارات الأمريكية عبر شاطئ خيرون في أفريل 1961 ثم أزمة الصواريخ السوفياتية في أكتوبر من العام الموالي. ومنذ نجاح الثورة تعرض فيديل كاسترو ل637 محاولة اغتيال كانت آخرها بتفخيخ سيجاره المفضل بالمتفجرات بينما تراوحت الاخرى بين تسميم طعامه أو تفجير يستهدف سيارته وغيرها وقد أصبح أبرز نجوم زمن الحرب الباردة حين أرسل 15 ألف جندي الى أنغولا سنة 1975 ثم ارسل قوات اخرى لدعم اثيوبيا ونظامها الاشتراكي. وفي خضم الاحداث والصراعات الكثيرة التي ملأت حياته كان لفيديل الوقت أيضا لتأسيس عائلة حيث تزوج سنة 1948 وأنجب فيديليتو ثم التقى بناتي ريفلتا التي أنجبت له أليانا قبل أن يتوجه الى المكسيك حيث تزوج مرة ثانية عام 1957 أي في أوج الثورة الكوبية التي كان يقودها وبعد وفاة سيليا سانشيز رفيقته الأساسية تزوج مرة ثالثة وانجب 5 أبناء. ولم يتفاجأ الكوبيون خلال الأيام الماضية بعودة فيديل كاسترو الى واجهة الاحداث بعد أن ظن الجميع أن المرض سيتغلب عليه هذه المرة فهم يعلمون أنه «قط» كوبا وصانع حريتها كما يعلمون أيضا أن تحليلاته لمجرى الاحداث لم تخطئ يوما فهل فعلا تقوم حرب نووية بين أمريكا واسرائيل من جهة وايران من جهة أخرى؟...