قبل أسابيع كانت إحدى مذيعات التلفزيون التايوانيّ تقرأ نشرة الأخبار، حين كادت تختنق وتصبح خبرًا من أخبار نشرتها وتنتقل مباشرةً من «البثّ المباشر» إلى جوار ربّها، بسبب بعوضة تسلّلت إلى فمها ومن ثمّ إلى حلقها! طبعًا تمّ قطعُ البثّ المباشر ونُقلت المذيعة إلى المستشفى حيث تلقّت العلاج المناسب، ولم تعد إلى بيتها (فرِحةً مسرورةً) إلاّ بعد يوم كامل من المتابعة الطبيّة! الخبر صحيح لا بعوض عليه ولا ذبَّان.. تناقلته أكبر وسائل الإعلام العالميّة وبُثّت صُوَرُهُ في جلّ الفضائيّات.. لكنّ المشكلة أنّه ظلّ خبرًا ناقصًا! فنحن حتى هذه اللحظة نجهل كلّ شيء عن هويّة هذه البعوضة المجرمة! ولا نعرف شيئًا عن دوافع هذه «الجريمة البعوضيّة النكراء»! إلاّ أنّنا أمام «محاولة قتل» لاشكّ فيها ولا اختلاف.. ممّا يسمح لي بطرح ثلاث فرضيّات: الفرضيّة الأولى أنّ البعوضة ارتكبت فعلتها في حالة دفاع عن النفس جرّاء ما كانت تتفوّه به المذيعة! فالجاحظ، وهو صديق لي سابق في حياة سابقة، يقول إنّ البعوض «يشتدُّ أذاه ويقوى سلطانُه ويشتدُّ كَلَبه في الظلمةِ، كما يقوَى سلُطان الذبّان في الضياء».. ولعلّ المذيعة كانت تقول كلامًا كالظلام فالتبس الأمر على البعوضة المسكينة! الفرضيّة الثانية أنّنا أمام بعوضة «قاتلة محترفة»، ولعلّها من ذلك النوع الذي يُطلَقُ عليه اسم «السيريال كيلر»، وبالعربيّة غير الفصيحة: «القاتل المتسلسل»! وقديمًا قال ابن رشيق، وهو صديق لي آخر في حياةٍ أخرى: «لا تَسْتَطيلُوا عَلى ضَعْفي بِقُوَّتِكُمْ، إِنَّ الْبَعُوضَةَ قَدْ تَعْدو على الفِيلِ»!! الفرضيّة الثالثة أنّنا أمام بعوضة إرهابيّة! فالكلّ اليوم إرهابيّ في الإعلام الغربيّ وبعض العربيّ، حتى أطفال غزّة، فلماذا لا يكون البعوض كذلك؟ خاصّة إذا كان بعوضًا «حارقًا» من غزّة أو لبنان أو أفغانستان أو باكستان إلى آخر القائمة؟! لابدّ إذن من وقفة بعوضيّة حازمة لتقصّي الحقائق.. والتثبّت من هويّة هذه البعوضة اللغز، والتدقيق في جواز سفرها لعلّه مزوّر، والتحقّق من سلالتها وحمضها النوويّ.. وهنا أقترح حلاًّ من اثنين: إمّا أن يتمّ تشكيل محكمة دوليّة على غرار طيّبة الذكر محكمة لاهاي.. ويُفضّل أن تكون هذه المحكمة برئاسة السيد أنطونيو كاسيزي وعضويّة السيدين نتنياهو وليبرمان، كي نضمن صدور قرار ظنّي بعوضيّ من الطراز الممتاز! وإمّا أن يتمّ إسقاط الجنسيّة التايوانيّة أو الصينيّة أو الواقواقيّة عن هذه البعوضة المهاجرة «قليلة الأصل».. إذ لابدّ من أن يكون كلّ مجرم «مهاجرًا» و«غير أصيل».. استئناسًا بسياسة طيّب الذكر السيد ساركوزي، الذي تفتّق ذهنه أخيرًا عن فكرة إسقاط الجنسيّة عن كلّ مواطن غير أصيل يرتكب جريمة في حقّ ممثّلي الهويّة الوطنيّة الأصيلة!! أعرف طبعًا أنّ اقتراحاتي هذه قد لا تعجبُ جمعيّات الرفق بالبعوض، التي قد يرميني بعض أعضائها بتهمة «اللابعوضيّة» على غرار «اللاساميّة»! فضلاً عن صعوبة إيجاد «وطن» لهذا البعوض ومن لفّ لفّهُ من «المخلوعين» من جنسيّتهم؟ هل نضع على صدورهم «نجمة» مثلما كان جماعة فيشي يفعلون؟ هل تجود علينا السيدة بيتانكور بجزيرة مثل تلك التي جادت بها على مصوّرها المفضّل، نطلق عليها اسم «بدونستان» أي «بدون جنسيّة»، ننفي إليها هؤلاء المنبوذين الجدد؟ مهما كان الأمر فإنّ هذه البعوضة تظلّ لغزًا محيّرًا! وأغلب الظنّ عندي أنّ هذا اللغز لن يُحَلّ إلاّ إذا فهمنا لماذا استهدفت بعوضتنا المجنونة هذه المذيعة تحديدًا؟ هل أعجبها كلام أحفاد بيتان من الفرنسيس والإنقليز والألمان والصهاينة والأمريكان؟ هل أعجبها هذيان نجوم التسطيح ونجمات التشطيح في معظم فضائيّات العربان؟ لماذا لم تتبضّع في حلق واحد أو واحدة من هؤلاء؟ ولماذا اختارت حلق مذيعة تايوانيّة بريئة ومغمورة هي في نهاية الأمر مجرّد موظّفة مأمورة؟ هل هي بعوضة شعوبيّةٌ حاقدة؟ أم أنّها بعوضة على درجة عالية من التحضُّر والانضباط الأخلاقيّ.. علمًا بأنّ من أخلاق البعوض أن لا يعتدي بعضه على بعض؟! الرجاء إرسال الجواب في ظرف تحت عنوان «لغز البعوضة»، وفي انتظاركم جائزتان سنيّتان: