تونس الشروق : اللواء الركن، جميل السيد هو المدير العام السابق للأمن العام في لبنان وهو أيضا واحد من الضباط الأربعة الذين اعتقلوا لمدّة أربع سنوات على خلفية مزاعم حول تورطهم في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري... السيد جميل السيد يكشف في حديث خصّ به «الشروق» غيضا من فيض مجريات التحقيق الدولي في قضية اغتيال الحريري مشيرا كيف أن المحكمة الدولية جندت العشرات من شهود الزور بهدف توريط سوريا ولبنان وذلك خدمة للمشروع الامريكي والصهيوني في المنطقة... كما يكشف خفايا ما جرى خلال التحقيق معه وأماط اللثام في هذا الصدد عن صفقة عرضت عليه تقضي بتقديم «ضحية سورية كبيرة» مقابل الافراج عنه. وفي ما يلي هذا الحوار: ما موقفكم من التسريبات الاخيرة في ما يتعلق بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري... وكيف تنظرون الى مسار التحقيق الجاري في هذا الموضوع من طرف المحكمة الدولية عشية اصدارها قرارها الظني قريبا؟ من المفارقات العجيبة في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، ان التسريبات حول صدور قرار ظنّي يتهم حزب الله قد بدأت مباشرة بعد الرواية التي نشرتها مجلة «دير شبيغل» الالمانية في 24/5/2009. وتذكّرنا تلك التسريبات بما حصل ايضا في بداية التحقيق الدولي في عام 2005، حيث استندت لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الالماني ديتليف ميليس حينذاك، الى رواية نشرتها صحيفة السياسة الكويتية بعد أقل من أسبوع على اغتيال الرئيس الحريري في فيفري 2005، حيث أن رواية صحيفة السياسة اتهمت حينذاك سوريا والجنرالات اللبنانيين الاربعة (جميل السيد وعلي الحاج ومصطفى حمدان وريمون عازار)، وكما هو معلوم فقد استمر اعتقال هؤلاء الضباط تعسفيا وسياسيا لمدة أربع سنوات تحت كنف التحقيق الدولي دون مواجهتهم بأي اتهام أو دليل أو شاهد، الى أن جرى اطلاقهم في 29/4/2009 بعدما ثبت بأن التحقيق الدولي قد اشتمل على عشرات شهود الزور، وأشهرهم المدعو محمد زهير الصديق. وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا استند التحقيق الدولي في عام 2005 على رواية صحيفة السياسة الكويتية لاتهام سوريا والضباط الاربعة؟ ولماذا يستند التحقيق الدولي اليوم على رواية لمجلة دير شبيغل لاتهام حزب الله بعدما سقط الاتهام عن سوريا؟ والسؤال الثاني الاكثر أهمية هو لماذا رفضت المحكمة الدولية وترفض حتى الآن محاسبة شهود الزور أولئك علما بأنه في كل القوانين الجزائية الوطنية والدولية، فإن شهود الزور يحاكمون كشركاء في الجريمة، عدا عن أن التحقيق مع شهود الزور وخلفياتهم ودوافعهم، هو من الوسائل التي تؤدي الى الحقيقة، فلماذا يتم التغاضي عنهم؟!! وأين صدقية المحكمة الدولية وتحقيقهاتها في هذا المجال؟ الأدلة والقرائن التي قدّمها الشيخ نصر الله والتي اتّهم فيها اسرائيل بالضلوع في اغتيال الحريري... برأيكم الى أي مدى يمكن أن تأخذ بها المحكمة الدولية... وإلى أي مدى يمكن أن تحوّل مسار التحقيق في اتجاه إدانة اسرائيل؟ سماحة السيد حسن نصر الله قدّم مجموعة من المعطيات التي توفّرت لدى حزب الله، سواء من النشاط الاستخباري الاسرائيلي الجوي ضد لبنان، أو عن اعترافات العملاء الذين قبضت عليهم السلطات الرسمية اللبنانية. وبالتالي فإن من أبسط واجبات المحكمة والتحقيق الدولي، ليس فقط ان تأخذ تلك المعطيات بعين الاعتبار، بل كان من واجبها أصلا ان تحقق في جميع الاحتمالات وبالاخص الاحتمال الاسرائيلي في اغتيال الحريري وليس فقط ان يتوجه الاتهام حصريا الى سوريا والى أطراف لبنانية، اسرائيل تملك الاسباب والدوافع والمصالح في هذه الجريمة أكثر من أيّ طرف آخر، فلماذا لا تشملها التحقيقات الدولية منذ بدايتها؟ في هذه الحالة، أية تداعيات على الساحة اللبنانية يمكن أن تنجر على قرار محتمل يصدر عن المحكمة ربّما يدين «حزب الله» بالتورط في هذه الجريمة؟ المشكلة هي أنه لو كان التحقيق الدولي الذي استمر منذ عام 2005 الى الآن، عادلا ونزيها ومحايدا وغير مسيّس ولا مستندا الىشهود زور، لما كانت هنالك تداعيات لأي قرار أو اتهامات تصدر عن المحكمة الدولية. أما اليوم، وبعدما ثبت للعالم اجمع وللمحكمة الدولية نفسها ان ذلك التحقيق كان مسيّسا وتآمريا، فمن الطبيعي ان تصبح ثقة الكثير في اللبنانيين معدومة، وبالتالي فإن ما يخشى منه ان تتحوّل المحكمة الدولية الى «تهمة جوّالة» بأيدي القوى الدولية النافذة، كما حصل حتى الأمس القريب، وهذا الامر بحد ذاته لا يستطيع لبنان تحمّله، خصوصا وان التوازن الداخلي اللبناني سريع العطب والهشاشة، وبمجرّد ان ينكسر هذا التوازن سيصبح الباب مفتوحا على الاضطرابات والمواجهات كما حصل في عدة تجارب سابقة. في سبتمبر المقبل ستعقد جلسة أخرى في محكمة لاهاي بناء على طلبكم الحصول على مستندات خاصة بشهادات الزور... ما هي أبعاد تحرّككم هذا... وما هي أسلحتكم وأدواتكم في ذلك؟ نحن طالبنا المحكمة الدولية بتسليمنا كل الأدلة والاثباتات المتعلقة بشهود الزور وشركائهم الذين تسببوا باتهام سوريا زورا وباعتقالنا السياسي والتعسفي لمدة اربع سنوات. كان ذلك خلال الجلسة العلانية التي عقدتها المحكمة الدولية بناء لطلبي بتاريخ 14/7/2010 في لاهاي. القرار سيصدر مبدئيا خلال النصف الاول من شهر سبتمبر المقبل، وفي هذه الحالة إما ان يسلّمنا القاضي كل تلك الادلة، وعندها نستطيع أن نحاكم شهود الزور وشركائهم في أوطانهم، وإمّا ان يعطينا القاضي قسما من الأدلة أو أن لا يعطينا مطلقا أي شيء، وفي هاتين الحالتين سيكون من حقنا ان نتقدّم باستئناف لدى المحكمة الدولية للطعن بقرار القاضي. وفي كل الأحوال وفي حال تمنع المحكمة الدولية عن تسليمنا كل الادلة المطلوبة، فهذا سيعني انها مصرّة على حماية شهود الزور من الملاحقة القضائية، وبالتالي فهذا سيعني سقوط صدقية المحكمة بشكل نهائي، إذ ليس هنالك في القوانين الوطنية والدولية ما يبرّر للمحكمة الدولية ان تكون غير صالحة لمحاكمة شهود الزور من جهة، ثم ان تحتفظ لديها بالادلة الجرمية المتعلقة بهم؟؟ وهذا يسمّونه في القانون «جريمة اخفاء وتستر على أدلة جرمية» ومن يخفي جريمة فهو مجرم. قضّيتم 4 سنوات رهن الاعتقال على خلفية اتهامكم بالضلوع في اغتيال الحريري... هل تضعونا في صورة ما جرى معكم خلال التحقيقات... وماذا عن الصفقة التي عرضت عليكم مقابل تبرئتكم في هذه القضية؟ لقد سبق لي في عدة مقابلات وتصريحات صحفية وتلفزيونية ان شرحت للرأي العام ظروف التحقيق الدولي معي، قبل اعتقالي واثناءه، بما في ذلك الصفقة التي عرضها علي رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس ومساعده غيرهارد ليمان، ومختصرها ان «التحقيق سيكون محصورا باتهام سوريا وحدها دون سواها، وان المطلوب منّي كحليف سوريا، ان اذهب الى الرئيس بشار الاسد واقنعه بتقديم ضابط سوري كبير كضحيّة، بحيث يعترف هذا الضابط بارتكاب الجريمة لاسباب شخصية ثم يعثر عليه لاحقا مقتولا في حادث سيارة أو في انتحار مصطنع. وعندها تطلع سوريا لجنة التحقيق الدولية على هذا الوضع على ان يلي ذلك تسوية سياسية مع سوريا على غرار التسوية التي جرت في قضية تفجير طائرة لوكربي». هذا العرض قدّمته لي حرفيا لجنة التحقيق الدولية قبل ثلاثة اشهر من اعتقالي. ولما طالبتهم بتقديم دليل على تورّط سوريا، اجابوني بعدم وجود دليل لديهم، فكان ردّي عليهم بأنني لن أنقل هذا العرض الى الرئيس بشار الاسد لأن هذا يعتبر فخّا وليس عرضا، ولا اسمح باستدراج سوريا الى فخ، عندها أعطتني اللجنة الدولية مهلة للتفكير بالأمر وأن أبادر الى تقديم «ضحية سورية أو لبنانية والا فستكون أنت الضحية» كما قالوا لي حرفيا، لكنني رفضت ايضا من الناحية المبدئية والأخلاقية، فكانت النتيجة ان جاءت لجنة التحقيق الدولية بالتنسيق مع فريق رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري، ومن بينهم قضاة وضباط واعلاميون، ورتّبوا شهود الزور لتوريط سوريا واعتقالي مع آخرين لمدة اربع سنوات الى ان انفضحت مؤامرة شهود الزور وظهرت الى العلن، وهو ما يضجّ به لبنان حاليا وينذر بمضاعفات خطيرة ما لم يحاسب شهود الزور وشركاؤهم في السلطة اللبنانية الحالية،وباختصار، فما نشهده حاليا هو أنهم انتقلوا من إتهام سوريا الى اتهام حزب الله!!