بعد حفل الافتتاح الذي وضع مهرجان المدينةبالقيروان في مساره المطلوب، كان لجمهور عاصمة الأغالبة مساء ليلة رمضانية ساخنة من يوم الجمعة على موعد لطيف مع التراث الغنائي الكافي الذي حملته فرقة «نسمات كافية» فكانت ضيفا خفيف الظل على عاصمة الثقافة الإسلامية بأغانيها التراثية الجميلة لمدينة الكاف وأغانيها الشعبية. النسمات قدمت مصافحة أولى كانت بمثابة المفتحات التي فتحت حواس الجمهور الشاب لركح الهواء الطلق بالمركب الثقافي. وتمثلت المصافحة في لوحة فنية موسيقية راقصة على أنغام الناي (القصبة) بعنوان «جربة» حيث أدت الراقصة بجهد كبير أداء نجحت في شد انتباه الجمهور الشاب رغم نقص الخبرة الذي كان جليا في جل تفاصيل التعابير الجسمانية. ثم تواصلت النسمات الكافية الرائقة مع وصلات غنائية من التراث الكافي الأصيل «تهفهف» في فضاء ركح الهواء الطلق. قدمت كل من الفنانة «مليكة الهاشمي» والعربي القلمامي أغاني من التراث الكافي الأصيل، أعادت جمهور القيروان الذي خلا من المثقفين ومن أعضاء هيئة المهرجان على المدارج، إلى زمن الفن الجميل وأيام سعاد محاسن، كما عبر الجمهور عن اعجابه بالأغاني الشعبية الكافية التي أدخلت عليها الآلات الموسيقية الوترية وهو ما يعرف بإعادة توزيع التراث (يسميه البعض إحياء؟) مما يقيم الدليل على صحوة الذائقة الفنية لدى الشبان وعدم تأثرها بالرداءة «الفنية» السائدة. الوصمة السوداء حفل الكافية في القيروان أعاد إلى الذاكرة العلاقة الفنية الوطيدة للتراث الموسيقي للمدينتين إلى جانب العلاقة الفنية المتينة للفن المسرحي بين فناني الجهتين. وتتواصل السهرات الرمضانية المبرمجة لمهرجان المدينة بعاصمة الأغالبة من المسرح والانشاد الصوفي والموسيقى الروحية والسينما بينما تنتظر العروض أن تروي ظمأها من الحضور الجماهيري وتأسيس قاعدة للأسرة الثقافية خاصة اننا لم نشهد حضور سوى عدد قليل جدا من المثقفين والمبدعين على الساحة الثقافية، وكان يمكن لموظفي الثقافة ان يشكلوا تلك القاعدة الجماهيرية لتحفظ ماء وجه الحضور المتواضع الذي لا يزال الوصمة السوداء في وجه أضخم العروض بالجهة، ومن الثابت وجود وصفة علمية إعلامية لتجاوزها بإقناعه واستجلابه.. لو يحسن المشرفون والمسؤولون توظيفها.. ربما سيتفطنون إليها قريبا.